القاهرة 19 يوليو 2022 الساعة 09:10 ص
ملف من إعداد: أشرف قاسم
الشاعر المصري الكبير ناجي عبد اللطيف مواليد 3 أبريل 1957 م بالإسكندرية، عضو اتحاد كتاب مصر وعضو مجلس إدارة فرعه بالإسكندرية وعضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية وعضو مجلس إدارة هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية وعضو هيئة تحرير مجلة الثغر التي تصدرها هيئة الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية بالإسكندرية وعضو جماعة فناني وكتاب الإسكندرية، حصل على عدة جوائز أدبية وشهادات تقدير منها جائزة أولى في شعر الفصحى عام 1985م من الهيئة العامة لقصور الثقافة، وجائزة أولى في شعر الفصحى عام 1986م من وزارة القوى العاملة والتدريب، وجائزة المجلس الأعلى للثقافة في شعر الفصحى عام 1987م، وجائزة د. فتحي الملاخ في شعر الفصحى عام 1995م، وجائزة المسابقة الأدبية الكبرى لجريدة الجمهورية (أحسن ديوان شعر) يونيه 2009م عن ديوانه "وقوف جديد على الطلل العربي" كرمته مديرية الثقافة بالإسكندرية مرات عدة، وكذا مكتبة الإسكندرية، واتحاد الكتاب المصري، نشرت أعماله بمختلف المجلات الأدبية في مصر منذ أوائل الثمانينيات مثل: مجلات "الجديد، الثقافة، الشعر، الهلال، المجلة، إبداع، القاهرة، الكلمة، فاروس، تواصل، الكلمة المعاصرة، راقودة، الثغر، الثقافة الجديدة، تحديات ثقافية، طيور الحرية، ضاد"، والعديد من الصحف المصرية مثل: "الأهرام، الأخبار، الجمهورية، المساء، أخبار الأدب، القاهرة وغيرها، وفي الدوريات العربية مثل:
الأدب الإسلامي، الظفرة العمانية، البيان الكويتية، الطليعة الأدبية بالعراق، وغيرها.
صدرت له دواوين منها "اغتراب" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 1988م، "للعصافير أقوال أخرى" عام 1996 م، "لو أنك يا حب تجيء عام 2001 م، "على أعتاب المحبوب" عام 2007، "رؤى نقدية" دراسات نقدية عام 2014 م، "وقوف جديد على الطلل العربي" عام 2015 م، "بوحٌ.. وقصيدة" عام 2017 م، "المثول في ساحة الجذبة" عام 2019 م، وله تحت الطبع "من مواجيد الظمأ"، "العهد" مسرحية شعرية.
تناول تجربته العديد من كبار النقاد منهم الأساتذة: أحمد سويلم، فوزي خضر، أحمد درويش، فوزي عيسى، أحمد المصري، مدحت الجيار، أحمد مبارك، محجوب موسى، أحمد فضل شبلول، محمد زكي العشماوي، السعيد الورقي، محمد زكريا عناني، حسن فتح الباب، محمد عبد الحميد خليفة، حلمي القاعود، محمد مصطفى هدارة، شوقي بدر يوسف، محمد يوسف التاجي، صبري قنديل، محمود عبد الصمد، صلاح فضل، مختار عطية وغيرهم.
يساهم في الحركة الأدبية بالإسكندرية منذ منتصف السبعينيات من خلال المحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية التي تقيمها قصور الثقافة، واتحاد الكتاب، ومكتبة الإسكندرية، ويساهم في تحرير مطبوعات وإصدارات قصور الثقافة بالثغر من مجلات وكتب أدبية.
• مقتطفات مما كُتب عن تجربته
كتب عنه د. محمد زكي العشماوي:
"ولأول مرة يخوض ناجي تجربة صوفية بكل ما في الكلمة من معنى، وهي وإن اختلفت عن تجارب ناجي الماضية إلا أنها تبقى محتفظة بالسمة العامة التي تتغلغل في شعر ناجي كله وأعني بها تلك الروح الشفيفة التي تتفتح لها النفس تفتح زهرة في أول الليل بعد أن انغلقت في قيظ نهار لاهب.. إنها -إضافة إلى ذلك- رؤية صوفية يتغنى الشاعر بها ويغنينا معه، وفي زحام الشعراء هذه الأيام إذا وجدت شاعرًا تكاد تصرخ كل قصيدة له بشخصيته بحيث لا يمكن أن تخطئ عمله بين آلاف الأعمال فقد وجدت شاعرًا له قيمته وشأنه، وناجي واحد من هؤلاء، فإذا أنعمت النظر في هذه المجموعة الشعرية الأخيرة من شعره ستجد كل لوحة له تعيد تركيب رؤياه من جديد تقولها، تحذف منها، تضيف إليها، تُنوَّعُها ويبقى الجوهر، والجوهر هنا هو الاتجاه نحو المطلق من خلال لغة تشع من الداخل كأنها تجربة للنور، للنشوة، للحلم، إنها تجربة الوجد تتراءى صورها أو قل تومض من خلال بنية لغوية خفيفة الوزن، رهيفة الحس وتشف عن وهج روحي في قتامات الواقع، متطلعة إلى نقاء نفسي على نحو لا نخطئ فيه توقه، وولعه بالمطلق، إنها محاولة الإمساك بما هو بعيد، وتغلغل في المجاهيل الذهنية من أجل الإشراف على والاقتراب من أنوار الذات العليا بغية التطهر، فالشاعر ظمآن إلى ملكوت أسمى يستظل بظله فهو لذلك يقف على الأعتاب، ويدق الباب، يقول في قصيدته "ظمآن.. أدق الباب":
يا مولايْ
هذي روحي
مُدَّ يديْكَ..،
انْشلها من أوْحالِ النفسِ
أرفعها نحوَ سمائكَ
خُطَّ بأنفاسِكَ
كل كلامِ الحبِّ
فإني ظمآنُ
وعند البابِ
أدقُ
أدقُ
وما زلتُ أدقُ
إلى أن رقَّ القلبُ
وما زال بأعتابِكَ
يحبُو!
تتردد هذه اللهفة للوصول إلى أعتاب التراث العليا بلغة العاشق ويرى فيها أفقًا يُحرَّرهُ ويساعده على التخلص من الحصار الذي يعانيه، ويتوق إلى الانعتاق من أسره ليظفر بنعيم الرؤيا والإشراق، ويظل الشاعر في مغامرة السؤال، والبحث في هذا المجهول الكوني، ويبقى يغامر للبحث عن غائب يود أن يلقاه".
وكتب عنه د. محمد عبد الحميد خليفة:
"وفي تجربة ناجي عبد اللطيف الشعرية التي ضمها هذا الديوان بقسميه (ظمآن .. أدق الباب، ووقفة على باب النفري) نجد حرص الشاعر على التعبير لا حرص الصوفي على البوح، إذ يظهر ناجي عبد اللطيف الشاعر المتصوف، لا ناجي عبد اللطيف الصوفي الشاعر، وآية ذلك أنه يكتب شعرًا امتلك فيه لغته بمنطقها الدلالي فجاءت عباراته قريبة المأخذ تحقق التواصل بينها وبين القارئ، خالية من التهويمات والإشارات الملغزة، مشبعة بإيقاع يجانس الحالة النفسية للشاعر، وتجربته الذاتية وحالات وجده، ففي مجموعة (ظمآن .. أدق الباب) يبدو ناجي عبد اللطيف كما لو كان له حظ من اسمه "ناجي" وقد أخذ يناجي ربه مناجاة العبد لربه، يحرقه الظمأ متعطشًا لمقام أعلى تشف فيه نفسه، متجاوزًا الدنيا، منعتقًا من أسرها الطيني المادي، وهو في سبيل ذلك السمو دائم الوقوف على باب ربه حتى يؤذن له بما يروي نفسه الظمأى".
وعن ديوانه "بوح وقصيدة يكتب الدكتور مختار عطية وهو يرصد بعض السمات الفنية التي ميزته وأسهمت في تكشُّف النص، وأوقفتنا على خصائص أسلوبه، وهي:
أولاً: جاءت قصائد الديوان العشرون في مساري البوح العشقي والبوح اللائذ منتمية للشكل التفعيلي الذي يتجاوز قيود النظم البيتي إلى حدٍ كبير، حيث رأى الشاعر أن القصيدة البيتية التي تتخذ من الشطر والبيت والقافية نظامًا لها لا تتناسب وبراحات البوح المنطلقة الرافضة لأي قيود كي تستقر لدى المبوح إليه، عاكسةً مرارة الشكوى وتباريح الألم وبراءة العشق وأمل اللواذ.
ثانيًا: يسيطر على الخطاب الشعري في الديوان روح التسليم والخضوع التي تتناسب وضعفَ البائح بين يدي محبوبه، حيث عكس المفرد النظمي روحًا لفها الحزن والأسى وتشطرها تباريح اللوعة والتساؤل والانصياع.
ثالثًا: أوغل الشاعر في الدلالات الخفية الرامزة التي تتناسب مع صنوف العشق البوحي أو البوح العشقي، كي يختبئ وراءها في توجس دائم للَّوم على هذا البوح.
رابعًا: تناسبت ألفاظ الشاعر وتراكيب جمله وانتقاءاته الأسلوبية مع موضوع قصيده الذي يحاط بسياج البوح، حيث اعتمد على الجمل الإنشائية التي تتخذ من الأمر والاستفهام والتمني والنداء مساراتٍ تعكس مدى لوعته، وتوافق قرار البوح الذي اتخذه بجرأة لا تخفى، بالرغم مما يحيط روحه البائحة من خفاء يستتر خلف مصطلحات صوفية كالعرفان والخضوع والتذلل والبراءة والنجوى والقنوت والأسر واللوم والزجر والصفاء والنورانية والتجلي.
خامسًا: حرص الشاعر على إشراك المتلقي له لائذًا بالصورة البصرية والسمعية واللمسية، تلك التي تروق للمتلقي فلا ينفر من تلك الخطابات النمطية المملولة.
سادسًا: عَدَل الشاعر في قصائده الرثائية الأربع عن الخطاب الرثائي النمطي إلى الخطاب التفكري الذي يتخذ من الفجيعة منطلقًا للاعتبار، مما دفعه إلى التوغل في روح الحدث دون عرض لتفاصيله وآثاره، فارتدت القصائد الأربع رداء التفكر، متخذة من البث الشعوري ونغمات الألم ومرارة الفقد مسارات لسَوْق الحدث ممزوجًا بآلام الفرقة، مستدعيًا سياقات خطاب المرثي، وكأنه يسمع ويعي زفراته وأناته.
سابعًا: عكس الديوان روحًا تكاملية متناغمة مع سابق إبداعات الشاعر في دواوينه السابقة، ليضيف إليها بهذا اللاحق نضوج فنيته وركام تجاربه وخبراته الحياتية، حتى استنطق إقرارنا أننا أمام شاعر جدير بأن يُقرأ، حريٌّ بأن يُلتفت إليه، مستحقٌّ بجدارة لتسجيل فنيته في مصاف كبار شعراء عصره.
وفي دراسته لديوان " المثول في ساحة الجذبة" والمعنونة ب "رحلة بين إسراء القلبِ ومعراج الروح" يشير الشاعر الكبير الدكتور فوزي خضر إلى أن "الفرق ما بين ناجي عبد اللطيف وغيره من الشعراء الذين غاصوا في التجربة الصوفية –وهم كثر– أنهم تمثلوا مشاعر الصوفي وأحاسيسه؛ وتحدثوا بلسان الشيخ أو بلسان المريد؛ واستخدموا المصطلحات الصوفية؛ أما ناجي عبد اللطيف فقد عاش الحياة الصوفية بأبعادها؛ فهو مريد بالفعل؛ وله شيخ حقيقي؛ ويعيش حلقات الذكر بكل أبعادها؛ بحركاتها الجسدية وأعماقها الروحية؛ فهو لا يدخل في الجو الصوفي وإنما يتماهي معه؛ ويذوب في دورة الذهاب والإياب مع تكرار الأقوال التي تتردد في حلقات الذكر؛ لذلك نجد هذا التكرار يتردد -أيضًا- في قصائد الشاعر.
معايشة الصوفية ليست جديدة علي ناجي عبد اللطيف فقد ظهرت إرهاصاتها في ديوانه الأول (اغتراب) الذي أبدي فيه فجيعته بشعور الاغتراب وهو في وطنه بين أهله وأحبابه؛ وبدأت إشارات الصوفية في ديوانه الثاني (للعصافير أقوال أخري) حيث امتزج بالكون ومفرداته؛ وظهرت الأشواق للحب المحض في ديوانه الثالث (لو أنك يا حب تجيء) متمنيًا أن يلقاه؛ ذلك الحب الذي يرجو أن يحياه؛ ثم يدخل المجال الصوفي بقوة في ديوانه الرابع (علي أعتاب المحبوب) مؤكدًا أنه وصل أخيرًا إلي أبواب الحب الصافي؛ يطرق تلك الأبواب وكله رجاء؛ ثم يجيء هذا الديوان ليعبر عن حالة من الحالات التي يعيشها الصوفي؛ إنها حالة الجذبة.
والجذبة مصطلح صوفي يعني الترقي للوصول إلي حالة لا يجد أمامه فيها غير حب الله - عز وجل- ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأهل الرقي من الصالحين الذين سبقوه في مسيرة الطريق إلى الله؛ والجذبة لا تتأتى إلا علي يد شيخ كامل؛ يأخذ بيد مريده؛ ليصل إلي من سبقوه من أهل الإيمان؛ أهل الحضرة -حضرة الخصوص- فيشدونه (أي يجذبوه) إلى الله تعالي؛ وحينذاك تصفو النفس من أدرانها؛ وتستحق الدخول في الحضرة الإلهية.
وحول هذا الديوان أيضًا كان للشاعر والناقد محمود عبدالصمد زكريا وقفة رأى فيها أنه "ثمة تقنية بنائية، وأخرى فنية قد اعتمدهما الشاعر لإنتاج هذه التجربة..
تتبلور التقنية البنائية بشكل عام في تقسيم هذا المنجز الشعري إلى قسمين بعد المقدمة النثرية والإهداء الشعري.. يأتي القسم الأول تحت عنوان (إسراء القلب) ويتكون من عشر مقاطع، ثم يأتي القسم الثاني تحت عنوان (معراج الروح) مستفيدًا كما هو واضح من رحلة الإسراء والمعراج للرسول صلى الله عليه وسلم، الإسراء من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصى ثم المعراج من الأرض إلى السموات العُلى وصولًا إلي سدرة المنتهى عندها جنة المأوي.. ولعل العنوانين يشيان بوضوح بمضمون التجربة ويهيئان التلقي لما يمدانه من أرض ومناخ سوف يجوس خلاهما المتلقي.
ولقد اعتمد شاعرنا تقنية فنية مبدئية في تجريد شخصية من نفسه لتكون معادلا موضوعيًا لذاته هي (صاحبه) واتكأ على مجموعة من التقنيات الأسلوبية كالحوار المباشر والتساؤل والتقرير والمناجاة التي تنطوي على الدعاء والرجاء والتضمين من شعر مجموعة من شعراء المتصوفة لبلورة هذه الرحلة أو التجربة بادئًا مع المقطع الأول ببلورة الحالة إجمالًا بين الواقع والحلم أو بين التحرر والخنوع".
|