القاهرة 19 يوليو 2022 الساعة 08:57 ص

كتب: حاتم عبد الهادي السيد
يطلعنا الدكتور حمدي سليمان علي أركيولوجيا المدن والسكان؛ من خلال كتابه: "ما لم تقله البحيرة" الصادر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة؛ حيث يقدم لنا كتابًا يتحدث عن مدينة الاسماعيلية -مدينته التي عاش فيها- وكانت له ذكرياته بها؛ إلا أنه هنا يأخذنا عبر لغة شعرية حالمة إلى آفاق جديدة؛ وكأنها أحاديث بحيرة التمساح المخبأة بين هدير أمواجها منذ آلاف السنين؛ والتي باحت له بأسرارها فخرج هذا الكتاب الماتع الجميل.
ويطلعنا د.حمدي سليمان هنا على تاريخ وجغرافيا وثقافة المكان والسكان من خلال تجواله في أعماق الماضي؛ وإضافة مسحة الحاضر وبريقه؛ لتندغم الدراسة بمسحة ثقافية سيسيولوجية غاية في العمق؛ ولتكشف جوهر المكان والسكان والحياة العامة لأهل الإسماعيلية الطيبين.
ويعد د. حمدي سليمان واحدًا من الأدباء الذين أخذوا على عاتقهم التجوال والسياحة في عوالم المدن لدراسة المكان دراسة سوسيولوجية؛ ولقد أخرج للمكتبة الثقافية من قبل كتابه الرائع عن واحة سيوة بعنوان "الرُّب الأسود" - أي العسل؛ وهو المتخصص في علم الاجتماع كأستاذ بجامعة العريش؛ والمدرس بجامعة قناة السويس بالإسماعيلية كذلك؛ لذا يشغله دوما الحديث عن السيسيولوجيا؛ وأركيولوجيا المكان عبر المدن؛ لذا فإن دراسته خرجت أكثر سحرًا لدراسة المجتمعات والسكان؛ دراسة أكثر رؤيوية وعمقًا.
يقول -عبر لغة شاعرة- في كتابه "ما لم تقله البحيرة":
المدن سراديب كما هو حال البشر، لا تفضي بأسرارها إلا لمن لامس أنفاسها عن قرب، وقرأ سرديتها على مهل، وهو ما نحاول فعله في كتابنا هذا عن مدينة الإسماعيلية، تلك المدينة التي تمتعت منذ نشأتها بالخصوصية الثقافية المدهشة، فقد أسهم في تشكيلها الجغرافيا والبشر والأحداث، مزجوا معا عبر السنين الرؤية بالحلم، والأمل باليقين، وقدرة الإنسان المصري البسيط على التحدي والانتصار، فعلى الرغم مما مرت به من صعاب وتحديات وتحولات كبرى غيرت مجرى التاريخ في المنطقة والعالم. ظلت مدينتنا النابضة بالحياة متشوقة دوما للبهجة والفرح. مقدمة عبر تاريخها نموذجا فريدا لإمكانية التعايش بسلام بين الجنسيات المختلفة، وقدرة فائقة على استيعاب التنوع بل وتوظيفه بشكل يخدم مستقبلها ومستقبل أبنائها.
نشأت وعشت في تلك المدينة الساحرة وشهدت في صباي وشبابي كل تلك السمات الجميلة من العمران المتميز والحدائق النادرة والفنون البديعة والناس الأصلاء وتضحياتهم العظيمة، كما عشت أيضا التحول الذي طال كل شيء في المدينة، والذي لم يتوقف عند تدمير وتشويه عمرانها فقط بل امتد -للأسف- إلى تشويه البشر أيضا. لذا كان من الضروري أن ننقب في بقايا الذاكرة، ونتعقب علاقتنا الخاصة بتلك المعالم والأمكنة، التي شكلت عالمنا طوال السنوات الماضية، لنرصد ما تبقى من آثار وجماليات المكان، وعلاقته بالتاريخ، وما نتج أيضا من تغير في علاقات الناس أثر التحولات المختلفة. وربما يلاحظ البعض اننا لم نكتف بسرد الوقائع، والربط بينها بعلاقة سببية، ولم نسع لكتابة تتعلق بحنين إلى أيام الصبا، كما أننا لا ننفي أن هذه الكتابة لا تخلو من بعض الاشتباك والانحياز، وهو أمر مرهون بعمق معرفتنا وعلاقتنا بالمكان، ورؤيتنا الموضوعية في رصد التغيرات والتحولات الكبرى التي غيرت من شكل ومضمون الحياة ليس فقط على أرض الإسماعيلية بل على مستوى الوطن ككل.
إنها دراسة تشكل الوعي المعرفي والجمالي والثقافي بالمدن والمدينية؛ ووصف لثقافة المكان والسكان والمجتمعات الجميلة؛ كمدينة الإسماعيلية الحالمة التي تنام على هدهدة أمواج بحيرة التمساح الجميلة؛ حيث النوارس تطير حولها لتندغم الحقيقة بالحلم؛ وليندغم السرد بالشعر بجمال الرؤية العميقة.
|