القاهرة 16 يوليو 2022 الساعة 07:38 م

كتبت: زينب عيسى
منذ سنوات قليلة كان حاله لا يسر عدوا ولا حبيبا، حوائط متهدمة وحجرات صارت مرتعا للكلاب الضالة ومقلبا للقمامة، تباكى عليه الكثيرون خاصة من الذين عاصروا ثورة 23 يوليو التي قادها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر صاحب هذا البيت الذي وصفنا حاله وناشدنا وناشد غيرنا الدولة لتنظر بعين الرحمة إليه، فهو منزل زعيم الأمة العربية بموطن نشأته وولادته في أسيوط، وبالتحديد في قرية بني مزار، ورغم بساطته وما فعل به الزمن والناس وأيدي الإهمال، إلا أنه كان ولا يزال علامة من علامات التاريخ بمركز الفتح، فقد كان شاهدا على نشأة وتربية الرئيس الراحل جمال عبد الناصر صاحب أكبر شعبية لزعيم عربي على الإطلاق، ومن ناحية أخرى فقد حضره 3 رؤساء هم في الأصل ضباط وطنيين بالجيش المصري وأعضاء مجلس قيادة الثورة هم جمال عبد الناصر ومحمد أنور السادات ومحمد نجيب بدون ترتيب لفترة الحكم، أجتمع الثلاثة في هذا البيت اجتماعاتهم السرية إبان ثورة يوليو 1952 والتي أطاحت بالحكم الملكي وتحولت مصر بعدها إلى جمهورية، وخرجت من هذا البيت قرارات مهمة ومصيرية.
ولم يكن منزل جمال عبد الناصر ضمن أي خطة من خطط الدولة والحكومات المتعاقبة بعد وفاة عبد الناصر في عام 1970 أي بحسبة بسيطة ظل بيت الزعيم تسكنه الأشباح والحيوانات النافقة لمدة تقارب النصف قرن، ويتكون هذا المنزل من طابقين وهو مبني بالطين والطوب اللبن وسقفه مسطح من الجريد والعروق الخشبية شأنه شأن بيوت الفلاحين المصريين، وبدلا من أن يصبح معلما مهما ومزارا لأهميته، تغيرت ملامحه حتى صار متهدما وتحولت أخشابه إلى قش!
وقد صاحبت المنزل روايات عديدة من أهل القرية، فمنهم من يقول إن المنزل قد هجره والد عبد الناصر وذهب إلى الإسكندرية، وآخرون ينفون تلك الرواية بأن المنزل كان شاهدا على قرارات سياسية واجتماعات غيرت مجرى الحياة في مصر، كما أن الرئيس الراحل أنور السادات زار المنزل بعد وفاة ناصر، وهناك رواية ثالثة تذهب بأن جمال عبد الناصر نفسه كان دائم التردد على منزل جده الحج "حسين خليل" بقرية بني مر، لأنه كان أول حفيد للعائلة وكان يزوره عندما انتقل برفقة والده إلى محافظة القاهرة والإسكندرية، بل أن عبد الناصر حينما تولى الحكم ذهب ذات مرة لزيارة القرية وألقى خطبة للأهالي قائلا: "أنا جمال عبد الناصر وكلكم تعرفون عائلة الحاج حسين خليل، هي أسرة فقيرة وأنا سوف أعيش وأموت فقيرا".
ورغم ما أشار إليه مدير الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة بأسيوط، من أن المنزل غير أثري لأنه غير خاضع للشروط التي يجب أن تتوافر في المباني الأثرية من حيث المدة والبناء ذاته، لكنه يخص شخصية تاريخية ذات حيثية وقيمة كبيرة، وهو ما تم الالتفات إليه منذ عامين أو أكثر فقد تم تطوير قرية بني مر وإنشاء قصر ثقافة جمال عبد الناصر بها، وفيما يخص المنزل فالقادم إلى طريق المنزل تستقبله اليوم لافتات زرقاء تشير إلى أن جمال عبد الناصر كان يعيش هنا مكتوب عليها "منزل الزعيم الراحل جمال عبد الناصر"، بل إن أحفاده يقصون الآن بفرحة غامرة بعد أن طالت قريتهم يد التطوير والتنمية ذكرياتهم عن جدهم، وكيف كانت جنازته المهيبة وشعبيته الطاغية، وحب الوطن العربي لشخصه وكاريزمته العالية وجهوده ليعيد لمصر مكانتها بين الأمم.
منزل جمال عبدالناصر الذي عانى من الإهمال طوال سنوات خلال حكومات متعاقبة، نالته أخيرا يد الرحمة وتم البدء في تطويره بالفعل منذ عام 2014، حيث تم ترميمه وتقرر تحويله إلي مزار سياحي للتعريف بتاريخ الزعيم الراحل، هذا بالإضافة إلي إنشاء قصر ثقافة جمال عبد الناصر على مساحة 970 مترا، ويتضمن مسرحا يسع 500 مقعد، ومباني إدارية عبارة من 3 طوابق، كما يضم قاعات معارض ومكتبة عامة ومكتبة طفل ونادي تكنولوجيا وقاعات أنشطة ونادٍ للمرأة ونادٍ للعلوم، كما يضم القصر صور نادرة تسرد حياة عبدالناصر وكفاحه، كما يعتبر مقصدا للمثقفين والأدباء.
وليس منزل جمال عبد الناصر المكان الوحيد الذي يحتاج ليد التطوير بل هناك منازل كثيرة تنتظر أن يتم الحفاظ عليها، مثل منزل وقصر ثقافة عباس محمود العقاد في أسوان، الذي يعاني من الإهمال الشديد، وغيره من المزارات المهمة التي تكشف وجه مصر الحضاري والثقافي ويجب علينا الحفاظ عليها كهوية ثقافية لمصر.
|