القاهرة 15 يونيو 2022 الساعة 12:01 ص
د. هويدا صالح
محتوى "ديزني" وخطورته على هوية أطفالنا الثقافية
لا أحد ينكر خطورة المحتوى الذي يقدم للأطفال، سواء جاء في شكل سردي أو شعري، قصص مقروءة أو مرئية أو مسموعة؛ لأن هذا المحتوى أيا كان الشكل الأدبي والفني الذي يقدمه يسهم في تشكيل وجدان الطفل، فالطفل صفحة بيضاء ونحن نملؤها بما يقدم إليه من ممارسات وقيم وقراءات
ومرحلة الطفولة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان، فهي التي تشكل وعيه ووجدانه ومعرفته بالعالم، بل تشكل مساحة اللاوعي التي تتحكم في كثير من حياة الإنسان المستقبلية، ويرجع الكثير من علماء النفس ما يمر به الإنسان من سلوكيات قد لا تبدو طبيعية أو مفارقة للعادي إلى ما كمن في لاوعي هذا الإنسان في مرحلة الطفولة.
من هنا أصبحت قضية الطفولة من القضايا المهمة لكثير من الدراسات التربوية والنفسية
والسؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا ككتاب أطفال كيف نكتب أدبا موجها للطفل يحقق المعادلة السحرية؟ يحقق المتعة الجمالية للطفل، يأتي مناسبا للمرحلة السنية التي يستهدفها، لا يقع في فخ المباشرة والوعظ ولإرشاد حتى لا يعرض عنه الطفل وفي نفس الوقت يراعي منظومة القيم التربوية والأخلاقية التي تسهم في تشكيل وعي الطفل ووجدانه وقيمه ومعارفه.
إن كاتب الأطفال هو قابض على الجمر دون أن يدرى، فكل جملة يوجهها للطفل أيا كانت مرحلته السنية يمكن أن تؤثر على ذلك الطفل إما إيجابا أو سلبا ، فلا يمكن أن نغفل عن الفن بجمالياته ودوره في تربية الطفل.
من هنا يسعى كاتب الأطفال أن يوجه رسالة جمالية ورسالة تربوية في نفس الوقت ينبغي أن تتوفر لها الجاذبية، والمتعة والإثارة في نفس الوقت، كتابة تشبع رغباته وميوله وتطلعاته.
ومن أهم المعايير التي يجب أن يحرص عليها كتاب الأطفال ألا يهدم المحتوى الذي يقدمونه قيمة إيجابية وألا يغرس قيمة سلبية وألا يهدم المفاهيم معرفية قارة ، فلا يمكن أن تقبل بنص يجعل الغزالة أو الزرافة تصطاد الحيوانات وتأكل اللحوم مثلا! أو نص يجعل السحاب مصدرا للحرارة والضوء والشمس منتجة للمطر! أو نص يجعل الأسماك ضمن السلسلة الغذائية للأفيال!.
لذا أصبحت النظرة إلى المحتوى الذي يقدم للطفل والعناية به أحد المقاييس المهمة التي يقاس بها الوعي الحضاري في مجتمع ما، كما يشير ذلك إلى وعي المجتمعات بطفل اليوم ورجل المستقبل.
لذا شعرت بالرعب وأنا أشاهد فيديو لمديرة المحتوى الترفيهي في شركة "ديزني" وهي تعلن نية الشركة إنتاج محتوى تظهر فيه شخصيات كرتونية مثلية الجنس، حيث أكدت "كيري بورك أن الشركة الشهيرة بإنتاج محتوى رسوم متحركة موجهه للطفل تنوي إنتاج ما يقرب من 50% من الشخصيات الكرتونية التي تظهر في أفلام ومسلسلات الكارتون الخاصة بـ " ديزني" بنهاية عام 2022 كشخصيات مثلية كمحاولة لدعم مجتمع المثليين والمتحولين جنسيا ومزدوجي الهوية الجنسية. وقد بررت بورك ذلك بأن لديها شابين أحدهما مثلي الجنس والآخر متحول جنسيا، وأنها ترى أن من العدل وقبول الآخر أن تصنع "ديزني محتوى يناسب ميولهم ومن مثلهم من مزدوجي الهوية الجنسية.
صحيح أن المحتوى التي تصنعه ديزني موجهه للطفل الأمريكي بالأساس، الطفل المطالب بتقبل الآخر أيا كانت هويته أو نوعه أو عرقه، لكن نحن كمجتمعات تتلقى هذا المحتوى ولا يوجد لديها ما ينافسه وفي نفي الوقت نخشى على الطفل الذي يشكل عصب الحياة في أي مجتمع، فطفل اليوم كما أشرت هو شاب وشابة الغد ورجال ونساء ما بعد الغد، فلابد سوف نتأثر بهذا المحتوى المربك والذي سيشكل خطرا حقيقيا على منظومة قيم مجتمع له هوية ثقافية مغايرة للهوية الأمريكية التي تستهدفها ديزني؛ لذا من الهام بل والضروري أن ينهض المسؤولون عن وزارات الثقافة والإعلام والشباب بإنشاء قناة تستهدف بناء الهوية النفسية والاجتماعية، وتعزز منظومة القيم الأخلاقية التي تحكم مجتمعاتنا.
لقد حان الوقت لإنشاء قناة موجهة للطفل المصري، ومن ثم العربي تعزز وتدعم الهوية الثقافية لهذا الطفل، ولا تضعه في مفاهيم غريبة عنه ومربكة لهويته.
|