القاهرة 07 يونيو 2022 الساعة 12:45 م
بقلم: سماح ممدوح حسن
في رواية "بقايا رغوة"، للكاتب جهاد الرنتيسي، والصادرة عن دار البيروني 2021. لم يكن للتهجير القسري للفلسطنين من دولة الكويت، والذين كانوا مهاجرين إليها بالأساس، في تسعينيات القرن الماضي بعد انتهاء عملية "عاصفة الصحراء" التي تحررت فيها الكويت من الغزو العراقي بالأثر الهيّن سياسيا أو جغرافيا فقط، بل وأيضا كان له أكبر الآثار على نفوس البشر، والذي حوّل كثيرين منهم إلى أجساد تسير حاملة أرواحا لا مبالية، تغرق في زبد أو رغوة الانكسار والهشاشة.
ومن هؤلاء بطلة الرواية "غادة" التي تزوجت من شخص لا تحبه فانخرطت فى علاقة غرامية متعددة، تهرب غادة وزوجها فجأة من الكويت إلى الأردن مخافة تأزم الأوضاع بعد تحرر الكويت.
كلما مر الوقت تزداد كراهية غادة لزوجها، خاصة بعدما اكتشفت أنه شخص فاسد وبدّل ولائه لقيادات اليسار في حركة "فتح" والذين ذكرهم الكاتب بأسمائهم الحقيقية، لكنها تظل معه من أجل ابنها "وسيم".
في الكثير من جوانب الرواية المتفردة فى طريقة سردها، مزج الرنتيسي بين الواقع بأسماء وأحداث حقيقية، وبين الخيال الروائي. أما جغرافيا الرواية تنقلت بين الكويت والأردن ولبنان، وفي جميع المراحل برز الصوت النسائي"غادة، فدوى، سوسن، ريما" وجميعهن حملن الخيبات سواء في علاقتهن الإنسانية أو فيما يتعلق بالوطن.
وعن الرواية تناقشت مع الكاتب فيما يلي:
• تعددت الأصوات النسائية فى الرواية، هل يصح أن نطلق عليها رواية نسائية أوصلت أصواتهن معاني أكثر بلاغة عن الحب والوطن والعلاقات؟
تقرأ الرواية التحولات الاجتماعية والسياسية بعين المرأة، ساهم ذلك في كشف تشوهات لم يكن ممكنا رؤيتها إلا من خلال نظرة أنثوية، ولاشك أن للمرأة حساسيتها ونظرتها للمحيط بحكم موقعها في المجتمع لكننى لا أميل للتصنيف على أساس الجنس، بمعنى أن تكون هناك رواية رجالية أو نسائية، وشهدت العقود الماضية جدلا حول وجود أدب نسائي وآخر رجالي، لكن ذلك الجدل لم يستند على أسس حقيقية بمعنى التمييز بين أدب يكتبه الرجال وآخر تكتبه النساء أو يكون لطرف حضوره على حساب الآخر، أفضّل القول بأنها قراءة لواقع اجتماعي وسياسي مشوه من خلال واقع النساء ومواقعهن في بنية المجتمع.
• "بقايا رغوة" هل دل العنوان على هشاشة الأرواح التي تعددت انكساراتها فباتت كالزبد لا ينفع أصحابها ولا غيرهم؟
هي محاولة للكشف عن هشاشة الواقع، البشر، العلاقات، التشكيلات السياسية والاجتماعية القائمة، لاحظي أن تجارب التيارات الحداثية فى بلادنا "ذهبت جفاء" ولم تتم المراكمة عليها، كان التطور الاجتماعى سطحيا بمعنى أنه لم يوفر أرضية صلبة للبناء عليها وسهل الارتداد عنه.
• تقنية السرد فى هذه الرواية ربما يمكننا إطلاق صفة "المراوغة" عليها، بمعنى ذلك القلق الذى لم يكن فقط في تركيب الشخصيات، إنما في جغرافيا الرواية، وفى أزمنتها، حركات وسكنات الأشخاص، خيوط السرد المتشعبة، ألم تخف من أن في هذا الشكل من السرد إرهاقا على القارئ ربما يوصله إلى عدم الإكمال؟
الكتابة عن الفلسطنيين تعني أنك تتعاملين مع كائنات متشظية، تعيش أكثر من حياة، يُملي عليك ذلك البحث عن تكنيك مختلف، لغة مختلفة، حيوية الحركة بين الأزمنة والأمكنة، وإيجاد القارئ القادر على التركيز عند ولوجه إلى عوالمك، لم يخل التجريب من مغامرة راهنت على ذكاء القارئ، اهتمامه الحقيقي بالقراءة وقدرته على التركيز لإيصال ما أريد، لم أرغب في أن يكون العمل إضافة كمية للروايات التي تناولت عوالم الفلسطينيين والعيش في تلك البلاد، وأعتقد أن إخراج القارئ من متاهة استسهال القراءة يستحق المغامرة.
• هل تنوي كتابة رواية أخرى بهذا التكنيك؟ وما التالي لجهاد الرنتيسي؟
بقايا رغوة الجزء الأول من رباعية تغريبة الفلسطينيين بالكويت، تتناول الحياة التي عاشوها في تلك البلاد حتى مطلع تسعينيات القرن الماضى والتي لم تأخذ حقها في الكتابة الإبداعية، توقفت أحداث رواية "رجال في الشمس" لغسان كنفاني عند حدود الإمارة، انتهت بدفن المهاجرين الفلسطينيين غير الشرعيين في "مزبلة" بعد اختناقهم في الخزان، ظل الوجود الفلسطيني هناك خارج دائرة الأعمال الإبداعية، اذا استثنينا بعض الروايات التي تناولته بسطحية لم تبتعد عن الهامش المعيشي رغم غنى التجربة الحياتية وتأثيرها على حياة الفلسطينيين خارج ذلك الحيز الجغرافي.
أرى في تجربة الفلسطينيين في الكويت على مدى عقود تفسيرا لغموض يكتنف تاريخهم المعاصر الذي تنوء تحت ثقل الشعارات وأوهام استسهال العيش فى مجتمع استهلاكى، مما تطلب البحث والتنبيش عدة سنوات لسبر أغوارها وتقديم رؤية مختلفة عن التناول الاحتفائي في وسائل الإعلام. كانت ردود الفعل المتباينة على تكنيك رواية"بقايا رغوة" استشفت من التباين، أنني وضعت يدي على ضرورات التجديد مما يدفعنى للمضي في مغامرة كسر التناول النمطى للتحولات.
• المؤلف فى سطور:
جهاد الرنتيسي كاتب فلسطينى، صدر له عدة قصص قصيرة منها "الفتى الأسمر الطويل، و"تداعيات سامي كنعان" وصدر له كتاب "روائيون في متاهة" عن دار ابن رشد.
|