القاهرة 3 مايو 2022 الساعة 12:13 ص
د. هويدا صالح
حلت الذكرى الثانية لرحيل أحد أهم مخرجي السينما المصرية، مخرج التفاصيل الصغيرة، والشخصيات المهمشة، عاشق الروح المصرية والقابض عليها بدقة ومهارة، وهو أحد مخرجي السينما الواقعية الجديدة، إنه المخرج الراحل محمد خان الذي تنوع إبداعه السينمائي منذ سنوات طويلة، ما بين القضايا الكبرى وسرديات المهمشين، حيث تناول في رحلته الفنية قضايا وموضوعات تتعدد وتتنوع ما بين السياسي والاجتماعي، وأعطى للسينما المصرية نكهة خاصة، تختلف عن نكهة واقعية صلاح أبو سيف، رغم أنه تلميذه المباشر، فهو أحد مخرجي السينما التي تشتغل على تفاصيل الصورة بعيدا عن المانشتات الزاعقة.
لقد صنع بالكاميرا سيناريوهات بصرية، حيث بدأ مشروعه السينمائي بفيلم" ضربة شمس" الذي جاء مغايرا تماما لسينما "المقاولات" التي انتشرت بعد الانفتاح الاقتصادي لمصر، ليقدم معالجة مختلفة ومفارقة لما هو سائد ونمطي، حيث هاجم بشدة وانتقد قيم التسليع للإنسان الذي استشرى مع الانفتاح الاقتصادي.
أجاد محمد خان كسر نمطية الأدوار التي تعوّد عليها النجوم الكبار، وصناعة مساحات إبداعية جديدة لهم مثل : سعاد حسني، نور الشريف، حسين فهمي،عادل إمام، يحيى الفخراني، مرفت أمين، ونجلاء فتحي، وغيرهم من النجوم، فلم يكن مقبولا قبل محمد خان في فيلمه الأشهر" موعد على العشاء" أن ينافس الفتي الأسمر "أحمد زكي" وسيم السينما المصرية" حسين فهمي " في حب امرأة"سعاد حسني". كما لم يتوقع نور الشريف أن يؤدي هذا الأداء المختلف في "ضربة شمس".
كذلك أجاد خان استخدام حكايات الشارع وتفاصيله عبر حركة الكاميرا التي نقلت الواقع دون تزيين، فقد كسر نمطية سينما كانت تغسل الشوارع والأشجار والحيوانات قبل تصويرها وإدخالها المشاهد السينمائية.
تعتبر أفلام محمد خان مرثية لرومانسية انتهت بطغيان المادة وتسليع الإنسان، فجاءت أفلامه صرخة غضب مكتومة على غياب، ليس الرومانسية فقط، بل استشراء القسوة بين الناس، وغياب البعد الإنساني، فمن منا لم يحزن أن تتحول الحياة إلى"سوبر ماركت" ومن منا لم يتعاطف مع "زوجة رجل مهم" أو يحلم ويشارك في " أحلام هند وكامليا"؟!.
ومن منا لم يبحث في سؤال السعادة في"خرج ولم يعد" ولم يتعاطف مع أحلام البسطاء في " فارس المدينة" أو" الحريف"، أو "كلفتي" و"مستر كاراتيه"؟!.
جاءت مرحلة ما بعد الألفية الأولى، وأضاف محمد خان روحا جديدة للسينما، روح أقرب إلى روح القصة القصيرة، وخاصة بعد زواجه من كاتبة القصة والسيناريست الشابة وسام سليمان، وكأن روح القصة القصيرة التي تميزت بها سيناريوهات وسام سليمان قد تلبسته، فوجدنا سردا مختلفا بالكاميرا يفارق حتى سردياته السابقة، فشاهدنا معه"بنات وسط البلد" حيث تفتيت الحبكة وتشظيها، فكانت الكاميرا تصور كادرات ومشاهد متجاورة ومتوازية تصنع في النهاية حكاية وسردية صغيرة ما بعد حداثية، تفارق السرديات المحكمة التي شاهدناها معه في سينما الثمانينيات التي أجاد صنعها، هنا المعطيات اختلفت، معطيات تشبه ما سُمّي وقتها بـ "كتابة التسعينيات " أو سرديات التسعينيات، لكن هذه السرديات البصرية صنعها خان ما بعد بدايات الألفية.
الجدير بالذكر أن محمد خان مخرج مصري من أصل باكستاني، من مواليد القاهرة لأب باكستاني وأم مصرية. عشق السينما منذ صغره بسبب نشأته بجوار دار سينما مكشوفة، أتاحت له المشاهدة الدائمة من شرفة منزله. سافر في عام 1956 إلى لندن لدراسة (الهندسة المعمارية) وهناك ألتقى بشاب سويسري يدرس السينما وأصبحا أصدقاء، فصمم على ترك دراسة الهندسة، وألتحق بمعهد السينما في لندن. وأفادته فترة معيشته هناك والتي امتدت إلى سبع سنوات في التعرف على مختلف التيارات السينمائية السائدة في أوروبا وقتها. عقب عودته إلى مصر عام 1963 عمل في شركة "فيلمنتاج" (الشركة العامة للإنتاج السينمائي العربي) تحت إدارة المخرج صلاح أبو سيف في قسم (قراءة السيناريو)، لكنه لم يستطع الاستمرار لأكثر من عام حيث سافر إلى (لبنان) ليعمل مساعد مخرج مع العديد من المخرجين اللبنانين مثل (يوسف معلوف، وديع فارس، كوستا، وفاروق عجرمة)، لكن حدوث نكسة 1967 جعله يسافر إلى لندن مجدداً، ليعود مرة أخيرة إلى مصر عام 1977 ويبدأ مشواره كمخرج بفيلم (ضربة شمس) 1978. قدم العديد من الأفلام مكوناً تيارا سينمائيا جديدا مثل (طائر على الطريق، الحريف، خرج ولم يعد، زوجة رجل مهم، أحلام هند وكاميليا، سوبر ماركت، أيام السادات، في شقة مصر الجديدة، كما ساهم بالقصة والسيناريو لفيلم (سواق الأتوبيس) للمخرج عاطف الطيب. بينما ظهر كممثل في أفلام (ملك وكتابة، بيبو وبشير، عشم). حصل على الجنسية المصرية بعام 2014، وتوفي عام 2016.