القاهرة 24 مايو 2022 الساعة 10:43 ص

بقلم: حاتم عبد الهادي السيد
الحوار هو الأداة الرئيسة التي يبرهن بها الكاتب علي مقدمته المنطقية، ويكشف بها عن شخصياته، ويمضي بها في الصراع.
وتتحقق حبكة العرض المسرحي -كما يقول د. منصور نعمان نجم الدليمي- من الحوار الذي يتداخل مع لغة المسرح المكونة للعرض المسرحي، وهذه اللغة تحددها تقنيات المسرح، من ديكور وإضاءة وأزياء، وماكياج وإكسسوار، وأداء تمثيلي على خشبة المسرح.
كما تتدخل تقنية الممثل الشخصية في إضفاء وهج خاص للحوار، كما أن اقتراب حبكة العرض من حبكة النص تعطينا عرضا متميزًا، ونلحظ ذلك في مسرحية أوديب ملكًا لسوفوكليس، فالحوار بين "أوديب والكاهن" يكشف عن الوضعية ويزودنا بالمعلومات اللازمة للإلمام بالتفاصيل التي تمس الحدث، فالحوار لا يكشف عن الوضعية الأساسية التي انطلق منها الحدث الدرامي، لكن الحوار يكشف عن كارثة عمت أرجاء المدينة، وأحاطت بالجوقة "الشعب" فطفح كيل الجوقة، وراحت ترجو مليكها أن يساعدها من وباء الطاعون الذي أحاط بالبلاد.
ولقد كان حوار أوديب وكريون يؤكد اندفاع أوديب للاستقصاء عن سبب الكارثة، فيأتي الجواب مليئا بالريبة والشك، يقول المحاور:
أويديبوس: تكلم أمامهم جميعًا، إن آلامهم لتثقل عليّ، وإن الأمر لأخطر من أن يمسني وحدي.
كريون: سأقول إذا ما سمعته من فم الإله، إن الملك أبولون يأمرنا أن ننقذ هذا الوطن من رجس ألمَّ به، وألا تسمح لهذا الرجس بأن يبقى حتى ينمو ويصبح شفاؤه عسيرًا.
إن الحوار هنا يشكل أزمة، ويكشف عن صراع ممتد قد يتأجج في أي لحظة، إذ أوديديبوس يمثل السلطة، وترسياس يمثل القوة التي تعرف الغيب، وهذا الحوار بينهما يمثل الدفاع والهجوم والتراشق بالألفاظ، لكن الملك اتهم شخص "ترسياس"، يقول:
-تعلم أني أتهمك بأنك اشتركت في الجريمة، ودبرتها وهيأت لها، ولم تبرأ منها إلا يدك. ولو أنك كنت بصيرًا لما ترددت في أن أؤكد أنك وحدك القاتل .
ولا تتحقق حبكة العرض إلا بالتوافق العميق بين أجزاء العرض المكونة للوحدة الفنية، وايجاد الانسجام بين جميع العناصر التي تخلق سيمفونية العرض.
الفكرة بين النص والعرض:
عَرَّف أرسطو الفكرة بأنها: "القدرة علي قول الأشياء الممكنة والمناسبة". أي ما له صلة بجوهر القضية، أو ظروفها.
وهناك تسميات أخرى للفكرة على أنها كما يقول "باختين": مشروع، أو موضوع، أو بحث، أو أطروحة، أو فكرة جذرية، أو فكرة أساسية، أو هدف أو غرض، أو قوة دافعة، أو غاية، أو خطة، أو عقدة، أو انفعال.
والفكرة تتفاعل مع العناصر الدرامية الأخرى من حبكة وشخصية وحوار ليصوغ لنا المؤلف الدرامي العالم الذي يعالجه من زاوية وعي المؤلف ونظرته للحياة، فالفكرة هي خلاصة وعي خالق النص كما يقول أرسطوطاليس.
أهمية الفكرة والفرق بينها وبين موضوع المسرحية:
ليست الفكرة هي الموضوع، كما يظن ذلك كثير من الباحثين، فالفكرة هي التي تعطي للمسرحية وحدتها، وللكاتب هدفه الأول.
ومهما كانت تسميات الفكرة فإن أي نص درامي لا يخلو منها، فكل العناصر الدرامية الأخرى تتغذى علي الفكرة، وتؤسس في ضوئها فعالياتها في النص إجمالًا، والحوار بصورة خاصة.
والفكرة الأساسية تتغذى على مجموعة من الأفكار الفرعية، وهي تُحتِّمُ خلق حوار مسرحي معين يكون ملائما لها من ناحية، وملائمًا للشخصيات والأحداث والأماكن، وزمن وقوع الأفعال من ناحية أخرى.
كما أن الصياغة البارعة للحوار تجلو موقف المؤلف من الفكرة، وموقفه من الحياة التي يصورها دراميًا.
هوامش:
- د. منصور نعمان نجم الدليمي، دار الكندي للنشر، الأردن 2000.
- لاجوس اجري، فن كتابة المسرحية، ترجمة دريني خشبة، دار الفكر العربي، القاهرة، ص 410 وانظر إشكالية الحوار، د. منصور نعمان الدليمي ص 19).
- سوفوكليس، أوديب ملكًا، ترجمة طه حسين، بيروت، دار العلم للملايين 1978م، ص 194).
- إلكسي بويوف، التكامل الفني في العرض المسرحي، ترجمة شريف شاكر، دمشق، وزارة الثقافة والإرشاد القومي، 1976م، ص155).
- م. ب باختين، قضايا الفن الإبداعي عند ديستويفسكي، ترجمة د. جميل نصيف التكريتي، بغداد، دار الشؤون الثقافية،1986، ص 111 :113).
- أرسطو طاليس، عن الشعر، ترجمة شكري محمد عياد، القاهرة، دار الكاتب العربي، 1967، ص 56:54).
- فود ب . ميليت بمنتلي، عن المسرحية، ترجمة صدقي خطاب، دار الكتب، بيروت، 1966، ص385).
- روجرم بسفيلد "الابن"، فن الكاتب المسرحي، ترجمة دريني خشبة، مكتبة نهضة مصر، 1964م، ص 155).
- بدري حسون فريج وسامي عبدالحميد، الإخراج المسرحي، بغداد، جامعة بغداد 1980، ص 115).
|