القاهرة 17 مايو 2022 الساعة 10:47 ص
كتبت: زينب عيسى
انتهى السباق الرمضاني للدراما المصرية وكعادته يرفع نجوما ويلمع آخرين ويهبط بغيرهم.. ومسلسل "جزيرة غمام" من تأليف الكاتب عبد الرحيم كمال، حقق معادلة من نوع خاص، لاسيما والمشاهد في رمضان قد تعود على نوع معين من المسلسلات يتخلله أكشن وحكاوي وصراعات الحواري أو سياق مجتمعي وأسري معروف، فالمسلسل جمع بين تحقيق نسبة المشاهدات العالية والتميز، لأنه ببساطة قدم رؤية فكرية قائمة على التراث والأسطورة الموروثة عن صراع الخير والشر في أزمنة سابقة تماثل قضايا معاصرة وهو ما يحتاج إليه المشاهد وغاب لفترة طويلة عن الشاشات، وهذا النوع من المسلسلات كان مرتبطا باسم الفنان الكبير الراحل نور الشريف والذي كون ثنائيا مع الكاتب والمؤلف عبد الرحيم كمال في عدة مسلسلات منها: "الرحايا"، "حجر القلوب"، وكذلك الفنان يحيى الفخراني في "الخواجة عبد القادر"، "شيخ العرب همام"، "دهشة"، "ونوس" وغيرها من أعمال تكشف عن شخصية كاتب متفرد يحول الكلمات والأفكار إلى عالم نابض بالحياة.
وبعد مسلسله الرائع "القاهرة-كابول" في رمضان الماضي يعود عبد الرحيم كمال هذا العام في "جزيرة غمام" بفكرة جديدة ذات عدة أبعاد وإسقاطات منها ما هو سياسي وماهو ديني من خلال الشخصيات الرئيسية والهامشية في المسلسل، بدءا من السلطة الدينية في الجزيرة والتي توزعت بين الشيخ "محارب" ويقوم بدوره الفنان فتحي عبد الوهاب صاحب الرؤية الجهادية والتشدد والذي ورث إن صح التعبير إمامة المسجد عن شيخه الكبير "مدين" ومن ناحية أخرى الشيخ "يسري" والذي قام بدوره الفنان محمد جمعة الذي كان من نصيبه بيت الشيخ وهو من يبسط الأمور الدينية للناس عن طريق الأحجبة، ويأتي ثالث التلامذة "عرفات" ويقوم بالدور الفنان محمد أمين الذي يقدم أفضل أدواره على الإطلاق بعد أن أطال في الأدوار الكوميدية باستثناء مسلسل "ما وراء الطبيعة"، ويعتبر عرفات رمز الطهر والاعتدال والتصوف في المسلسل ولم ينل من شيخه الذي رباه سوى سبحته التي اعتبرها إرثا ضخما لما تحمله في طياتها من رمز للبركة والهدى لطريق النور.
وعمد المؤلف إلى رمزية لتلك الشخصية التي تقرب إلى الذهن صورة المسيح في صفاته والأطفال وكأنهم الحواريون، هكذا ذهب التفكير لدى البعض أنه الخضر عليه السلام خاصة في الحلقة الأخيرة وغرق المركب ونجاة الخير في مقابل الشر الكائن مادامت الحياة، وتبرز رمزية الأسماء مثل "محارب"، و"بطلان" وهي شخصية قدمها باقتدار الفنان محمود البزاوي، و"خلدون" أي الشر الخالد وجسدها الفنان طارق لطفي في أروع أدواره الذي اتخذ من فقر أهل الجزيرة ذريعة لنشر الفساد والتفرقة بين الأهل وترويع الآمنين، وهو إسقاط اعتبره نقاد سياسيا بالدرجة الأولى ومماثلا لما يحدث في الواقع كالواقع الفلسطيني ومحاولات الكيان الصهيوني في الترسيخ لنظرية فرق تسد.
"جزيرة غمام" دراما غير تقليدية وحالة فريدة للمخرج حسين المنباوي وبطولة قوية ومتميزة واستعادة لبريق الفنانة مي عز الدين التي أكدت من خلال المسلسل على وصولها للنضج الفني والقدرة على التلون في الأدوار المختلفة، ويحسب ل"عز الدين" إقدامها على دور شخصية "العايقة" والتي تمثل الشهوات والغواية، وفي الوقت نفسه يتعاطف معها المشاهد رغم أنها محسوبة على معسكر الشر يحركها خلدون الشيطان، لكن الخط الدرامي يكشف عن نفسها الطيبة لتنجو في النهاية وتعود إلى طريق الله، وكعادته يقوم الفنان رياض الخولي بدور كبير الجزيرة صاحب الحكمة والضمير الذي يرفض أن يظلم أحدا في عهده ويمنع شرب الخمور وهو إسقاط سياسي فسره البعض كإشارة لعهد سابق على الفترة الحالية.
ورغم مساحة دورها المحدودة برزت الفنانة وفاء عامر من خلال شخصية مختلفة عن الأدوار التي قدمتها في أعمال أخرى خلال الموسم الرمضاني، فيما جاء تصوير المسلسل موفقا لحد بعيد ومواتيا لتلك الأجواء بالجزيرة التي تنتمي لقرن مضي، حيث لم تكن الكهرباء قد دخلت بعد في المدن وليس القرى والجزر، وقدم مدير التصوير إسلام عبد السميع لوحة رائعة مناسبة لأجواء الحكاية، بالإضافة إلى الموسيقى التصويرية وصوت الفنان علي الحجار الذي يثبت روعته كأن لم يمر عليه الزمن.
|