القاهرة 03 مايو 2022 الساعة 07:44 ص
أكرم مصطفى
يستلهم الروائي الفلسطيني سميح مسعود تاريخي غرناطة ودولة الأندلس في روايته "صنهاجي في غرناطة" الذي صدر عن الآن ناشرون وموزعون بالأردن، ويسقط هذه الحقائق على الواقع المعيش، ليكشف المسكوت عنه في التاريخ الصامت الذي غفل عنه المؤرخون والباحثون في سير الجماعات والشعوب.
وتدور أحداث الرواية ما بين الكويت واليمن وغرناطة، وتشكل في مجملها ارتحال سميح مسعود نفسه باحثا عن حقيقة أصل القبائل الأمازيغية التي تسكن شمال إفريقيا، وامتد وجودها في فترات تاريخية ماضية إلى الأندلس.
يرجع الكاتب أصل القبائل الأمازيغية إلى قبيلة حمير العربية التي ارتحل بعض بطونها من اليمن إلى شمال إفريقيا، فامتدت هناك في الجغرافيا، وبرزت منها قبائل معروفة أشهرها "صنهاجة" التي حكمت مملكة غرناطة وبنى بعض ملوكها قصر الحمراء قبل أكثر من ألف عام.
وما بين الواقعي والتخييلي يرجع المؤلف دخوله في هذه المغامرة الجمالية إلى معرفته بتاريخ قبائل صنهاجة من استماعه إلى محاضرة أقيمت في دار الآثار الإسلامية بالكويت، ألقاها باحث جزائري ينتمي إلى قبيلة من الأمازيغ (البربر) في الجزائر، وله مقالات وكتب كثيرة يُثبت فيها أنّ الأمازيغ ينتمون إلى قبائل حِمْيَر حضرموت العربية التي هاجرت من اليمن بعد انهيار سدّ مأرب، في وقت الهجرات اليمنية الكبرى.
وصمم المؤلف على إنجاز رحلته البحثية هذه عندما أكد المحاضر أن أجداد الأمازيغ من حِمْيَر حضرموت، وأُلصِقَ بهم اسم الأمازيغ (البربر) من قبل الاستعمار الفرنسي لزرع الأسافين في الوحدة الوطنية الجزائرية، لا سيما أن النسابة العرب أكدوا هذا الأصل في مخطوطاتهم القديمة، وهو ما تؤكده أيضا لهجة المهرة القديمة المشتقة من اللغة الحِمْيَرية.
ورافقت المؤلفَ خلال الرواية مجموعة من الشخصيات التي أسهمت في تأكيد الصلات التي يبحث عنها عبر شواهد الجغرافيا والتاريخ واللغة والعادات. والتقى سميح مسعود شخصيات يمنية ومغربية وجزائرية خلال رحلته إلى اليمن التي زار فيها كثيرا من معالم الجغرافيا هناك، ثم انتهى به المقام في غرناطة عند المستعرب الإسباني أنطونيو كاسترو وأمه مرجريتا، وهما إسبانيان من أصول عربية.
ووصف أنطونيو كاسترو العمل بأنه يقدم عبر أسلوبه السردي الجذاب "تفاصيلَ نصٍّ تمدَّدت أبعادُه حول غرناطة". وأشار إلى أن سميح مسعود قد كشف به "عن أصل ملوكٍ من الصَّناهجة حكموا غرناطة أيّام دويلات الطَّوائف، معتمدًا في ذلك على المآثر التراثيّة الماثلة للعيان حتى الآن في رقعةٍ مكانيّة واسعة، وعلى مقاربة تجمع بين التّراث والواقع المنظور".
ونقل سميح مسعود للقارئ تفاصيل مشاهداته في قصر الحمراء، من ممرات وقبب وزخارف ونوافير. وهو القصر الذي وصفته مرجريتا قائلة: "قصر أجدادي جوهرة الهندسة المعمارية في العالم أجمع لا يوجد له أي مثيل بين القصور القديمة، وهو وجهة السياح المفضلة في كلّ الفصول، وبابه مفتوح لهم من الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل".
وأكدت مرجريتا كذلك تشابه طعام الأندلسيين والطعام العربي، بما في ذلك الحلويات.. يقول سميح مسعود: "ثم استطردت بتعريفي على أكلة البايلا وقالت عنها إنها أشهر أكلة أندلسية، اخترعتها جداتنا في قديم الزمان، وأساس تركيبتها بقية الطعام الذي كان يُعطى للفقراء بعد أن يملأ أصحاب الولائم بطونهم، بدلًا من رميها، ويكسبون بهذا حسنات تضاف إلى أعمالهم الطيبة".
وأشار أنطونيو خلال إحدى فقرات الكتاب إلى معاناة أجداده الموريسكيين في غرناطة بعد سقوطها: "لم يجرؤ أهلي وهم من المورسكيين على إظهار انتمائهم الديني للإسلام دين أجدادهم القدماء، لكن جدي من أمي كان عندما يسبح في البحر يعتمر طاقية بيضاء، القبعة نفسها التي يعتمرها أتباع الدين الإسلامي وقت الصلاة، وفي مناسبات كثيرة سمعته يردّد بأعلى صوته كلمات متقطعة غير مفهومة، تشبه في إيقاعها دعوة الناس إلى الصلاة".
|