القاهرة 26 ابريل 2022 الساعة 11:53 ص
قصة: خوان كارلوس أونيتي *
ترجمة: أسامة الزغبي
يمكن أن تقول أو تتخيل الكثير من الأمور المشينة عن جون. لكن لم أشك أبدا في أنه لا يكذب؛ فهو شديد الاحتقار لأولئك الذين يخترعون قصصا خيالية لتجميل صورتهم. لهذا عندما قص علي بسعادة وهو يحتسي كأسا من الدراي مارتينيز قصة -لي خصيصا- إحدى زيجاته الفاشلة، لم أشك. كانت تبدو أو بدت، مثل مشاهدة أو سماع فيلم دون إمكانية إعادة تشغيله ولا الخوف من عدم القدرة على تصديقه. لم تترك أيضا فرصة للابتسام.
وصلتُ، قبل أسبوع، من باريس ورغبت في تحديث، وتأكيد ونفي الإشاعات التي وصلتني من أصدقاء، مشتركين تقريبا، أثناء غيابي.
كان جون إنجليزيا ثرثارا ويجيد السخرية من كل شيء ببرود، وأحيانا بشفقة، لكن دون شر على الإطلاق. شربنا ثم ساد صمت طويل: بدا أن جون يفكر بغموض وبحاجب معقود. ترك كأسه على الطاولة وقال لي، محتفظا بوضعية قدم فوق الأخرى وبوجه صارم:
- فرنسية وأنت تعرفها. ربما لأننا كنا تقريبا متزوجين. لم يكن ينقصنا سوى مباركة الكاهن، والقاضي، ووصول بعض من أثاث قديم وباهظ الثمن لم تشأ التخلص منه. أيضا جدود الجدود والجدود والآباء، تقريبا كل تاريخ فرنسا. هي من كانت تهمني فقط، ماري. يمكنك أن تبحث بين كل من تتذكرهن ويحملن اسم ماري. كنت مجنونا وأحيانا فكرت أن الأمر عبارة عن هوس جنسي. رؤيتها، كانت تكفيني؛ تشمم منديلا منسيا، يكفي؛ دخول الحمام بعد أن تخرج. نتقابل كل أسبوع، هنا أو في باريس. يومان متتابعان أو ثلاثة. نذهب ونعود. وتزيد رغبتي في كل مرة وأترك نفسي لها، أبحث عن نفسي فيها؛ أريد المزيد والمزيد. وكل مرة كانت بمثابة درجة سلم تدفعني لوطء أخرى. دائما في حالة هبوط لأني كنت أعلم أني أفقد صحتي وعقلي.
دون أن يحوّل وجهه عني، أشار لجيفز فأُحضر لنا كأسين: دراي مارتيني له وجين تونيك لي. أشغل غليونه -يعرف أن التدخين سيعجل بموتي- ثم شرد لبرهة، مبتسما تقريبا بشفاه لا تعبر عن الفرحة. مكتث صامتا كما يحدث دائما في مثل هذا النوع من الحكايات، منتظرا، تم تعويضي، قال جوني دون أن ينظر إلي:
- عمّدت القط باسم إدجار. وليس بسبب أنه قط أسود بعلامات بيضاء، تبث الرعب على صدره.
- في إحدى الليالي، وصلت ماري للمطار، كما كان مخططا. استقبلتها، احتسينا (كوكتيل) بنفس الفرحة المعتادة، شربنا نخب السعادة الزوجية. أمر لا يدعو للضحك ولكنه كوميدي. ذهبنا لتناول العشاء ثم بعد ذلك لمنزلي. لم أخبرك، لأنني لا أعرف وربما لم أهتم، أن الحارسة والشريكة في العقار في نفس الوقت كانت مفتونة بي، أو، ببساطة، تكرهني بشدة. شيئا من هذا القبيل.
دخلنا وأضأت النور. لم تكن قد ذهبت إلى هناك من قبل أبدا. نظرت حولها بسعادة غامرة. ورأت، رأينا، بوسط السرير الكبير، قطا أسود كبيرا وضخما، ملتحفا بملاءة بيضاء نسائية. قط لم أره من قبل ويبدو أنه معتاد على النوم هناك. نظر إلينا وأرجله مطوية تحت صدره بعينين يملؤهما الفضول ثم عاد وأغمضهما. حتى اليوم لا أعرف كيف تمكن من الدخول. لم تساورني حتى شكوك. تقدمت لمداعبة ظهره ورقبته، حينئذ اشتعلت ثورتها. تطلب أن أتخلص من القط القذر، الذي سيملأ السرير بالبراغيث. وهي تصرخ وتضرب الأرض بقدميها. أشعلت سيجارة وفتحت الباب. قلت لها كم أنا سعيد أن يفاجئنا أحدا للترحيب بنا. نعتتني بالغباء وصفعت يدي لدرجة جعلت القط يركض حتى الباب وظل الرواق. حسنا، لنحتسي كأسا آخر لأن هذا يكفي كمقدمة. ما حدث بسيط ويصعب علي شرحه. في تلك اللحظة اقتنعت أنني لا يمكن أن أتزوج من تلك المرأة؛ وأنه من المستحيل أن أعيش، أو أسعد معها. لم أخبرها بذلك ساعتها، ومرت بقية الليلة، كما خططنا وتمنينا، حتى تملك منا التعب وقت الفجر.
رشف جرعة، أشعل الغليون مجددا وابتسم بسعادة وتحد. الآن عاود النظر في عيني وقال:
-وهو درس لأي رجل ذكي لأنني من وقتها قمت فقط بمغامرات وحرصت ألا تدوم طويلا.
* خوان كارلوس أونيتي
كاتب أوروجواياني، ولد بمونتيفيديو في عام 1909، وتوفي بمدريد عام 1994. يعد من أهم الروائيين في بلده وفي الآداب الإسبانو أمريكية عموما. حاز على جائزة ميجيل دي سيربانتس عام 1980، وجائزة الآداب الكبرى في أوروجواي. يصنف من الكتاب الوجوديين، وعالمه الأدبي متشائم إلى حد ما، ومليء بالسلبية، ولهذا لم تصل أعماله لجمهور عريض.
من أهم أعماله: رواية البئر، ورواية الوداع.
|