القاهرة 26 ابريل 2022 الساعة 11:43 ص
كتبت: سماح ممدوح حسن
"حقيق بالتواضع من يموت.. ويكفي المرء من دنياه قوت
فما للمرء يصبح ذا هموم.. وحرص ليس تدركه النعوت
فيا هذا سترحل عن قريب.. إلى قومٍ كلامهم سكوت"
كانت تلك أبيات قصيدة للإمام علي بن أبي طالب -كرّم الله وجهه- والتي بدأ بها الشيخ مدين "عبد العزيز مخيون" مسلسل "جزيرة غمام" الذي يعرض في السباق الدرامي الرمضاني الحالي. وبالأبيات يودع الشيخ أبناءه "عرفات، ومحارب، ويسري" المكلومين باحتضاره، لكنه يواسيهم ويحذرهم من "الزوبعة، الكارثة" التي تلوح فى أفقهم القريب.
وكما في الكتب تُعرف من سطورها الأولى ويميّز القارئ غثها من سمينها كذا هو الإنتاج المرئي، دراما تلفزيونية أو سنيما، فالعمل يعرف من مشاهده الأولى، ورغم أننا لم نشاهد سوى حلقات قليلة من العمل إلا أن ما عُرض أفصح عما هو آت من إبداع.
في رائعته الجديدة الحالية، يقدم لنا الكاتب "عبد الرحيم كمال" حكاية جزيرة غمام، القصة الخرافية، ربما، والتي حدثت منذ مئة عام في جزيرة نائية على البحر الأحمر في مصر، يستعرض خلالها النفوس الإنسانية على أشكالها الطيبة والخبيثة والربانية والتي استحوذ عليها الشيطان.
للشيخ "مدين" ثلاثة تلاميذ كل منهم له نصيب في شخصه من اسمه، قسّم فيما بينهم كل على حسب طباعه أو حتى ترك لكل منهم ما عرف أنه يصبو إليه، فترك ل"محارب" المشيخة، أو القضاء في الأمور الدينية والشرعية. وترك ل"يسرى" بيته وقد كان يعرف عنه أنه يعشق الحياة ومتعها، وترك ل"عرفات" مسبحته ورضاه، وهو كل ما تمناه عرفات اليتيم الذي رباه الشيخ مدين بعد وفاة والديه، ولم يعرف له منذ ذلك الحين دارا غير بيت شيخه، وفيما بعد طرده "يسري" من هذا البيت.
بعدما قسّم الشيخ تركته على أبناءه الروحيين على هذا المنوال، سيرى المشاهد، ويفكر ويسأل لماذا ترك الشيخ تلاميذه بهذه القسمة غير العادلة، ربما؟ فمحارب صار أكثر غلظة وقسوة على الناس ويبيت لهم العزم على القتال، يجمع مريدين يدربهم على القتال، يستولي على صندوق زكاة المسجد ويشتري بأمواله السلاح ليحاربهم به. و"يسري" اتخذ من البيت مقرا لأعمال السحر، و"عرفات" هام في الشوارع لم يجد له مأوى سوى غرفة البحر التي تعطّف عليه بها كبير الجزيرة.
ربما يسأل الجميع لما فعل الشيخ هذا؟ ولماذا حذرهم تلميحا من زوبعة قادمة، ولم يصرّح بماهيتها؟ إجابة تلك الاسئلة لم ترد في المسلسل بعد، لكن ربما من سير الأحداث أجاب عنها الواقع المعاش في كل العصور منذ زمن الحكاية من 100 عام وحتى اليوم. وعلى أى حال لا تزال الحلقات متواصلة وسنعرف.
ولكن حتى الآن تبيّن من العمل عدة مفاجأة كما الآتي:
• أغنية التتر
بما أن العمل يحكي عن تاريخ جزيرة في الصعيد من 100 عام، ما أنسب من صوت "علي الحجار" ليغني أغنية الحكاية. تاريخ على الحجار مليئ بغنائه باللهجة من صعيد مصر، وقد كون هذا التاريخ مع الثنائي الأبدع "عمار الشريعى وسيد حجاب" ورغم غياب ضلعي مثلثه إلا أنه لا يزال يبدع بنفس الدرجة مع آخرين، لحّن الأغنية الموسيقار "شادى مؤنس" الذي ألف لحنا ضحك وبكى، هدئ وصخب مع كلمات الشاعر "إبراهيم عبد الفتاح" والتي تحكي قصة الجزيرة التى ستتبدل أحوالها إلى الأهوال بما سيأتي به البحر "وقت اما تعمى البصاير ما حيلتنا غير البصيره"..
• أبطال العمل
ورغم أن فريق العمل جميعا برعوا في أدوارهم، إلا أن الأبرع من بينهم هو الممثل المحسوب بالأساس على الكوميديا "أحمد أمين، عرفات" والذي كان هو المفاجأة الحقيقية في هذا المسلسل. فمن المشهد الأول أثناء جلوسه وبكائه الراثي لشيخه المحتضر، أقنع تماما من شاهده أنه يتمتع بتلك الموهبة الجبارة التي تدمعك ضحكا في مشاهده الكوميدية، تفطر قلبك في تمثيله التراجيدي، وتهفو لطيبة قلبه عندما يرتدي ثوب الصوفي تلميذ الصوفي الذي لا يعرف من العالم إلا الحب والجمال. عرف كيف يوظف نبرة صوته، وملامح وجهه وحتى طريقة سيره. فصدقنا تماما أنه "الشيخ عرفات" الصوفي صفي القلب، الزاهد الذى رُفعت بينه وبين ربه الحُجب بسلامة قلبه، فاتصل بشيخه في المنام والصحو وتلقى منه رسائل التحذير.
"طارق لطفي، خلدون" الذى من دون شك أثبت ومنذ فترة كبيرة موهبته الفذة، رغم قلة أعماله السنيمائية، لكن كثرة عمله التلفزيوني جعله يؤدى كل الأضداد، فبين عمله العام الماضي "الشيخ رمزى" في القاهرة كابول، حيث كان الإرهابى الداعشي، وبين عمله هذا العام كخلدون الغجري "طرح البحر" الذي باع روحه للشيطان ليؤلب البشرية ضد بعضها ويعيث فيهم فسادا، وغيرها من أعمال دلت على أن طارق لطفى موهبة لا يستهان بها بل أنه صار مُعلما.
• مواقع التصوير، والأطفال:
من بين أكثر الأمور اللافتة في هذا العمل هي موقع التصوير، وأداء الأطفال ممن اشتركوا في هذا العمل. ففي الآونة الأخيرة اعتادت الدراما المصرية على التصوير في أماكن خارج القاهرة العاصمة، حيث كانت سابقا هي جغرافيا الأعمال الدرامية والسنيمائية، لكن منذ سنوات قليلة اتجهت أنظار صنّاع الأعمال إلى خارج العاصمة، إما في المدن الجديدة، أو في المدن القديمة الجديدة بالنسبة للمشاهد. كمرسى مطروح والعلمين والنوبة وسيناء غيرها، ومن ضمن هذه المواقع موقع تصوير جزيرة غمام التى صوّرت في إحدى مدن البحر الأحمر البديعة، جزيرة على البحر.
أيضا كان لأداء الأطفال دور مهم في نجاح العمل، ورغم المعروف عن صعوبة السيطرة وتعليم الأطفال أدوارهم أمام كاميرات التصوير، إلا أن الأطفال "تلاميذ الشيخ عرفات" كالطفل الذي أدى دور "سمير" برعوا جميعا في أداء أدوارهم الصغيرة التي تُنبئ عن مواهب كبيرة وربما عن مستقبل فني أكبر.
المسلسل هو خلطة صوفية وسياسية واجتماعية، ورغم أن هذا هو الخط الذى كتب فيه "عبد الرحيم كمال" أغلب أعماله إلا أن العمل هذا العام أبدع في محور جديد.
المسلسل من إخراج حسين المنياوى، تأليف عبد الرحيم كمال، بطولة أحمد أمين، طارق لطفي، فتحي عبد الوهاب، مي عز الدين، رياض الخولي.
|