القاهرة 08 مارس 2022 الساعة 10:45 ص
بقلم: عبده الزرّاع
يتناول كتاب "الحواديت يا أولاد" للكاتبة نهى عاصم مجموعة من الحواديت والحكايات التي كتبتها المؤلفة بعد أن جربتها في الحكي لأطفالها الصغار، وكما تقول في مقدمتها: "... وانتقل حب القراءة لتأليف القصص لأطفالي وكنت أبتكر لهم قصصا تعلمهم، وتفهمهم دينهم، والصواب والخطأ، مرة بصورة هزلية، ومرة بصورة جادة، حتى أنهم كانوا يتفاعلون مع أبطال حواديتي؛ فرحا وضحكا وبكاء". هذه المقدمة تشي منذ البداية بأن هذه الحواديت كتبتها المؤلفة بعد أن حكتها شفاهة لأبنائها الصغار فأحبوها وفتنونوا بها.. وكان الهدف هو تعليم أولادها بعض القيم الإيجابية والدينة والسلوكية وهو هدف نبيل في حد ذاته.
يحتوى الكتاب على خمس عشرة حدوتة كما أرادت أن تسميها الكاتبة، والذي يتبدى لنا من خلال العنوان، لتعيدنا إلى زمن الجدة الحكاءة، والأم الحكاءة، وهذه الظاهرة اختفت تماما من حياتنا، نتيجة للتقدم التكنولوجي المرعب الذي غزا حياة أطفالنا وسرقهم من الحكايات الجميلة ومن القراءة ومن عالم الكتب الشيق، وللأمانة أنه سرقنا أيضا نحن الكبار.. والحكايات التي يحويها الكتاب هي: (العصفور والنخلة الطيبة، أحمد والدراجة، إبراهيم ورجل المطافي، جنة والحجاب، حدوتة لنوراي: ذيل الفأر، بتول وصوت الرياح، سهيلة وصديقتها، يحيى وقضية فلسطين، يوم في الجنة مع سالي، يويو والخروف، يعني إيه كلمة وطن، عمر والتكنولوجيا، عاصم والفيشار، نور وشجرة الموسيقى، أدهم والكتب) وقد حرصت الكاتبة أن تبدأ الحواديت وتنتهيها مثلما تربينا عليها في طفولتنا الباكرة وبشكلها التراثي المعروف، فتبدأ الحكليات بمقولة: "كان يا ما كان" وتنهيها بمقولة: "وتوتة توتة خلصت الحدوتة، حلوه ولا ملتوتة؟ لو حلوة يبقى عليكو غنوة، ولو ملتوتة يبقى عليكو حدوتة".
هذه الحواديت وإن كانت كلها غير مؤلفة كما حدث مع أول حدوتة أوردتها في المخطوط، والتي تحمل عنوان (حدوتة العصفورة والنخلة الطيبة.. حدوتة لجود) وهي كما ذكرت في مقدمة الحكاية أنها كانت تريد أن تحكي لجود فتذكرت هذه الحكاية التى كانت قد قرأتها ولا تعرف على وجه الدقة من مؤلفها وإن كانت ترجح أنها كانت من كتاب حواديت سلوى حجازي، رحمها الله.. هذا وإن دل فإنما يدل على أمانة الكاتبة.
حملت الحواديت الكثير من القيم الجميلة التي حرصت الكاتبة منذ البداية أن تتضمن حواديتها كي تعلم أبناءها وتنشئهم على الأخلاق الحميدة، والقيم السامية، فنجد ولنتتبع بعض هذه القيم المنتشرة في جل الحكايات، هذه القيم.
أولا: قيمة العمل الصالح:
ففي قصة (حدوتة العصفورة والنخلة الطيبة) تتبدى هذه القيمة واضحة، حينما وجدت العصفورة الصغيرة نفسها وحيدة بلا مأوى وبلا عش يأويها، خاصة مع دخول فصل الشتاء، وفي أثناء رحلة بحثها عن شجرة تسمح لها ببناء عش صغير عليها، وجدت الغرور والنكران من بعض الأشجار، فقالت لها شجرة المشمش غاضبة " امضِ بعيدا عني، أنا لا أحب إيقاظي فجرا بزقزقتكم المزعجة" فذهبت لشجرة المانجو، التي قالت لها أيضا: "نظرت لها شجرة المانجو بتعال، وقالت: تعيشين بين أغصاني وتأكلين ثماري؟ اذهبي بعيدا عني أنا لا أحتاج أمثالك"، وظلت تبحث عن شجرة تقبل أن تبني عليها عشها كي يحميها من الريح الشديد وبرد الشتاء، إلى أن سمعتها النخلة الطيبة وهي تبكي، وطلبت منها أن تبني عشها بين سعفها، فرحت العصفورة وراحت تقاوم الرياح وجمعت عيدان القش، وبنت عشها وجلست بين سعف النخيل مطمئنة.. لقد قامت النخلة بتقديم العمل الصالح ومد يد العون إلى العصفورة الصغيرة التي كانت تتقاذفها الريح والتي لم تجد عشا يأويها في مقابل، تكبر شجرة المشمش، وبخل شجرة المانجو، وكراهية شجرة البرقوق.. فكان العقاب من جنس العمل في نهاية القصة، كما تقول الحدوتة "مرت الرياح على شجرة المشمش والمانجو والبرقوق، وهى غضبانة منهم، ضربتهم ضربات متتالية، فوقعت أغصانهم وأوراقهم وثمارهم.. وقالت لهم الرياح: هذا عقاب لمن يتعالى على مخلوقات الله ويؤذيها.. مرت الرياح بجوار النخلة الطيبة، ونظرت لها وابتسمت، وقالت: لا تخشي شيئا أيتها النخلة؛ فأنت كنت كريمة مع عصفورة صغيرة بلا أم ولا مأوى، والله يعامل الطيب بكل خير، وأنا أحب عملك الكريم هذا، ولن أؤذيك.
ثانيا: القيم الدينية والأخلاقية:
كما في قصة "أحمد والدراجة"، أحمد كان يحب اللعب بالدراجة ويعشقها ويتابع مواقعها على الإنترنت، وعندما ازداد طولا على دراجته القديمة ولم تصبح صالحة له، أراد أن يدخر من مصروفه كي يشترى دراجة جديدة، ولما حكى لوالده أراد أن يساعده في شراء الدراجة، ورفض أحمد في البداية لأنه يريد أن يعتمد علي نفسه خاصة وأن والده هو من اشترى له دراجته القديمة، أقنعه والده أن يقبل مساعدته خاصة وأن العيد اقترب ومن الممكن أن يعيد له ما اقترضه من عيديته.. أراد أحمد أن يحتفظ بدراجته القديمة، ولكن والده اقترح عليه أن يقدمها هدية لابن البواب، لكنه رفض في البداية فأقنعه والده أنها سوف تكون صدقة، تقول الحكاية "... نعم يا بني، ستكون صدقة أمرنا الله سبحانه وتعالى بها، وقال لنا كلما تصدقنا ضاعف لنا الحسنات مرات ومرات، أحمد: موافق يا أبي، ولكنها تحتاج إلى قليل من الإصلاحات، فهل أقوم باصلاحها أولا؟
بابا: هذا أمر ضروري، فحينما نعطي الصدقة لا بد وأن تكون جيدة بلا عيوب..".
هنا أراد الأب أن ينشأ ابنه على الإيثار وحب الغير، وضرورة أن نتصدق بما نحب حتى ولا ننتظر الثواب إلا من الله عز وجل.
وفي حكاية "جنة والحجاب"، راحت جنة تسأل والدتها عن الحجاب، لأن زميلتها في المدرسة تحجبت، وسألها المدرس هل ارتديتيه عن قناعة أم لا؟، وسألت جنة أمها عن معنى الاقتناع، وراحت أمها تشرح لها ببساطة وبطريقة سهلة تناسب عمرها أن الحجاب فرضه الله على المرأة المسلمة، مثل الصلاة والصيام والذكاة، وضرورة أن نرتديه في سن معينة وهو سن البلوغ، ولكن عن قناعة بأنه فرض من الله، وضربت لها الأم مثلا بنفسها أنها محجبة إرضاء لله.. ولكن جنة قالت لها: وهل أصدقائي سيضحكون عليّ حينما أتحجب؟، قالت لها الأم: سترتدين الحجاب إرضاء لمن يا جنتي؟ جنة: إرضاء لله تعالى. الأم: إذا، نحن نهتم بالله أم الناس؟ جنة: الله تعالى يا أمي، أرادت الأم أن تعلم جنة أصول دينها بشكل غير مباشر ومن خلال حكاية طريفة.
سلبية القصص الشعبية
أما قصة "ذيل الفأر" وهى قصة -كما تقول الكاتبة- كانت عندي من قصص دار المعارف، وهي قصة شهيرة كانت الجدات تحكيها لنا ونحن صغار ويبدو أنها قصة مأخوذة عن التراث الشعبي، وهي قصة "الفأر مقطوع الذيل" الذي دخل مخزن البيت وراح يأكل من الجبن والعسل وارتطمت رجله بجرة فتهشمت فتنبهت القطة حارسة المخزن لوجوده وهجمت عليه وقطمت ذيله، فراح يتوسل لها كي ترد له ذيله فطلب منه أن يأتي لها بالحليب، فذهب إلى الجاموسة التي طلبت منه البرسيم كي تعطيه الحليب، فذهب إلي الفلاح كي يحصل علي البرسيم، فطلب منه أن يذهب إلى الجزار كي يجلب له قطعة لحم لطعامه، قال له الجزار لكي أعطيك قطعة لحم لابد أن تحضر لي بعض الأرغفة، فذهب إلى الخباز الذي طلب منه أن يساعده في العمل كي يمنحه الخبز، فساعده في العمل وأعطاه بعض الأرغفة، فجرى إلى الجزار الذي أعطاه قطعة من اللحم وقدمها إلى الفلاح الذي أعطاه البرسيم، الذي قدمه إلى الجاموسة التي أعطته اللبن، والذي أعطاه للقطة فأعادت له ذيله، وأصبح الفأر صديقا لها.. وهذه القصة رغم أنها مسلية إلا أنها ترسخ لقيمة سلبية وهي قيمة أن كل شيء في الحياة بمقابل، فلا يقدم الإنسان شيئا بغية ارتضاء وجه الله.. وهذه من مساوئ القصص التي تستلهم من التراث، والتي تستوجب أن يتدخل فيها الكاتب بما يجعلها صالحة كي تقدم إلى الطفل.
أما حدوتة "بتول وصوت الرياح" فبتول كانت تخاف من صوت الرياح حينما يهل فصل الشتاء، ولكن أمها بدأت تشرح لها أهمية الرياح وأنه لا يخيف، واقترحت عليها أن تضع السماعات في أذنيها وتغمض عينيها وهي تستمع إلي القرآن الكريم، ولا تركز في صوت الرياح فاطمأنت ونامت، ولما صحيت في الصباح، شعرت بالاطمئنان وأنها أصبحت لا تخاف من صوت الرياح ولا من المطر الذي يعطينا الماء لري الأراضي الزراعية حتي يكبر الزرع ونعيش عليه، وكذلك يشرب منه الإنسان والطير والحيوان، وبدأت تستمتع بالمشي تحت المطر، وهذه القصة تعليمية أرادت الأم الحكاءة أن تعلم من خلالها الطفلة بتول قيمة المطر والمياة وهي نعم من الله منحها إلى عباده لتيسير الحياة.
مضت الكاتبة على هذه الوتيرة في جميع الحواديت التي كتبتها في هذا المخطوط، فعالجت موضوع التمييز على أساس اللون في قصة "سهيلة وصديقتها" السمراء، وفي قصة "يحى وقضية فلسطين" التي تحكي قصة اليهود واستلائهم على فلسطين، وبداية من خيانتهم لسيدنا موسى بعبادة العجل، ثم قتل الأبرياء بغير ذنب، واضهادهم لعيسى وصلبه، واقامة مجزرة صابرا وشاتيلا وغيرها من المجازر، وهذه الحدوتة بها بعض المثالب التي تؤخذ عليها، فهي لم تتخذ الشكل القصصي المعروف والذي يحمل حبكة، ولكنها مجرد سرد، علاوة على قسوة الصور المصاحبة للحدوتة، وبها مناظر للقتل، والدم، والضرب بالطائرات والصواريخ، والنبل وغيرها من مشاهد العنف، التي يصعب أن نقدما لأطفالنا بهذا الشكل.
وكذلك حدوتة "يوم في الجنة مع سالي" وهى تعرف الأطفال أن الجنة بها أشياء جميلة وفيها كل الألعاب التي يحبوا أن يلعبوا بها..
وحدوتة "يويو والخروف" فقد كره يويو أكل اللحوم عندما رأى من يذبح خروفا في الشارع ويسيل منه الدم، ولكن الأم حاولت أن تصحح له المفاهيم فقصت عليه قصة سيدنا إبراهيم وابنه اسماعيل، هذه القصة المعروفة والتي امتثل فيها الابن لأمر الأب وأطاعه وقبل أن يذبح لولا أن فداه الله من فوق سبع سماوات بكبش عظيم.. وهي قصة تعلمنا طاعة الوالدين التى هي من طاعة رب العالمين.
إن الكاتبة نهى عاصم تجيد الكتابة للأطفال لسن ما قبل المدرسة، لغرس بعض القيم الدينية والأخلاقية والسلوكيات السوية في نفوس هؤلاء الصغار.. إنها تكتب بعفوية مثلما تحكي.. وأعترف أنني وجدت في هذه الحواديت المتعة، والمعلومة، والجمال.
|