القاهرة 13 اكتوبر 2021 الساعة 12:14 ص
د. هويدا صالح
في ظل الثقافة المونولجية، ثقافة الصوت االواحد التي تغلب على مجتمعاتنا العربية، والتي لا تعترف بقبول الآخر والتعددية نتساءل عن أهمية نشر ثقافة الحوار في مجتماعتنا، فثقافة الحوار لا تحدث بقرار سياسي فوقي ، إنما تحدث بتربية المجتمع أفراده على أهمية قبول الآخر والحوار معه وعدم إقصائه وتهميشه.
تمر مجتمعاتنا العربية بحراك سياسي وثقافي يهيئ هذه المجتمعات لقيم التسامح و الحوار المجتمعي الذي يُقر بأهمية إقامة جسور التواصل بين المكونات الثقافية المختلفة في مجتمعات تتعدد وتتنوع مكوناتها الثقافية، فنحن بحاجة إلى إزاحة ثقافة الصوت الواحد المستبد الذي لا يعترف بالآخر أيا كان هذا الآخر ، والذي لا يعترف بأن الاختلاف ظاهرة صحية تُثرِي المجتمعات ولا تعيبها، فالمجتمعات المتعددة المكونات الثقافية هي مجتمعات حيوية وعميقة، فلا يجب أن نكون كلنا نسخا مكررة من بعضنا البعض ،فعدم قبول الآخر ، وعدم قبول الحوار مع هذا الآخر يقودنا في نهاية الأمر إلى صراع مجتمعي قد يؤدي إلى صراعات مذهبية وطائفية وبالتالي ينال من السلام المجتمعي للشعوب، لذا نشر ثقافة قبول الآخر المبنية على التسليم بحقّ الاختلاف والتنوع، وترسيخ أدبيات الحوار لدى كل مكونات المجتمع يُعد الخطوة الأولى للعبور بمجتماعتنا إلى طريق الديموقراطية والمواطنة. ولتحقيق يجب أن نؤكد على حقِّ الاختلاف ليس على مستوى الكلمات أوالشعارات فحسب، بل وعلى مستوى الممارسة الفعلية، بدءاً من البيت والمدرسة والجامعة والعمل وأماكن العبادة وصولاً إلى البرلمان والحكومة ،وتشجيع الشباب على التميُّز والاختلاف، وتقبُّل الاختلاف بين الأجيال المتعاقبة، بصفته سُنَّة الحياة؛ و الأمر الطبيعي والشرط الأول لأن يمارس أفراد المجتمع الإبداع والاغتراف من منابع المعرفة.
ولن يكتمل معنى هذه الخطوة إلا بإشاعة قيم المواطنة و التسامح والانفتاح على الجديد، والقضاء على كلِّ أشكال التعصب والعنف من خلال تأسيس ونشر ثقافة الحوار، وممارسة حقّ الاختلاف، ولا يمكن لأي مجتمع أن ينهض دون أن تتوفر فيه هذه الثقافة إلى جانب حرية الفكر والتعبير عن الرأي، وفي الوقت نفسه نبذ العنف والتخلي عن ثقافة التهميش والتغييب والإقصاء وإيجاد أرضية للتعددية والتعايش، والاتفاق على صياغة مجموعة متناسقة من القيم الروحية والأخلاقية التي تأخذ في الاعتبار التنوع الإنساني الخلاق في المجتمع، والتفاعل الحر بكل مكوناته السياسة والاقتصادية والاجتماعية والفكرية، واستبدال ثقافة الإتباع بثقافة الإبداع، وضرورة الانفتاح على كلِّ العوالم والثقافات التي يمكن لها أن تؤدي إلى اجتراح المعارف الإنسانية والتفاعل معها، بما يؤدي إلى الإفادة منها، والإضافة إليها، وتحرير العقل من كلِّ قيوده، ليمضي في أفقه الواعد، متحررًا واعيا، يطرح الأسئلة ، يساءل الذات والعالم ، لا يكتفي بالإجابات الجاهزة. إن مساءلة الذات والعالم دليل صحة ويقود الفرد والمجتمع إلى الإزدهار والتقدم.
واحترام وجهة نظر الآخر ، وتفهمه وعدم رفضه، وقبول قناعاته كما هي وعدم إملاء قناعاتنا، فلن نكون نسخا مكررة من بعضنا البعض، وأن نبتعد نهائياً عن التمترس وراء آراء ومواقف واجتهادات مسبقة، وكأنها مقدسات ثابتة غير قابلة لإعادة النظر فيها أو النقاش حولها.
فلن نستطيع استيعاب المعطيات والوقائع المكونة لمواقف وآراء بعضنا البعض بدون الحوار والتلاقي, ولن نستطيع نحن أبناء الوطن الواحد أن نتقارب أو نتفاهم دون أن نتحاور في مواقفنا وآرائنا! فإذا لم يكن هناك حوار بيننا، فسوف ينطوي كل واحد منا على ذاته وتقع القطيعة بيننا، لأن البديل الوحيد عن الحوار هو القطيعة بلا أدنى شك، التي سوف تؤدي إلى انتشار ثقافة الشك والحذر، التي سوف تقود نتيجة حتمية واحدة، هي العداء والتصادم والتقاتل.
إن عملية نشر ثقافة الحوار والاختلاف وتشجيعها لا يمكن أن تكون حبيسة الموائد المستديرة وقاعات المؤتمرات بل يجب أن تكون ثقافة يتبناها المجتمع. إنها عملية متكاملة مترابطة ودائمة ومستمرة، وشاملة لمختلف نواحي الحياة وميادينها، ولن تتحقق هذه العملية دفعة واحدة، بل تحتاج إلى وقت طويل حتى تؤتي ثمارها، المهم الآن أن نخطو الحطوة الأولى نحو الاعتراف النهائي بحقّنا جميعاً حكاماً ومحكومين في ممارسة حرية الحوار وحق الاختلاف.
|