القاهرة 03 يونيو 2021 الساعة 02:21 م
انتقال العالم من الثورة الصناعية الأولى باختراع الآلة البخارية في إنجلترا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر إلى دول غرب أوروبا ومن ثم إلى جميع أنحاء العالم، ومن بعدها الثورة المعلوماتية التي صاحبت انفجار عالم الاتصالات وشبكة الإنترنت، ومنها إلى الثورة المعرفية التي تتخطي مرحلة الوقوف عند المعلومات إلى مرحلة أشمل وأعم متعددة الأبعاد التكنولوجية والمعلوماتية وما صاحبها من تحولات في سياق وتمازج للثقافات أدى إلى أشكال هجينة من الثقافات في إطار عولمي، وإذابة الخصوصيات الثقافية يحيلنا إلى قراءة مؤشر المعرفة في مجتمعنا المصري، ويدعونا للمطالبة باستراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي.
بالنظر إلى مجتمع المعرفة وتحدياته في العالم العربي نرى أن العالم يشهد مرحلة إعادة اعتبار للثقافة من زاوية استراتيجيات المستقبل، خاصة وأنّ التطورات الجارية تبشّر بمستقبل جديد على مستوى الإنجاز المادي والتقدم التكنولوجي ومراكز البث الإلكتروني، وهو ما يدعو إليه دائما الكاتب عبد الله تركماني في كتاباته وإسهاماته الرصينة.
وفي ضوء قراءة مؤشرات التحول الرقمي، ومنها مؤشر الرقمنة لمعهد ماكينزي الصادر عام (2016) نرى أن رقمنة القطاع الحكومي والأعمال وتوفر الخدمات الحكومة الذكية الرقمية التي تتوفر فقط لـ 6% فقط من سكان بلدان الشرق الأوسط، وهو ما ينعكس على تعاطي سكان بلدان الشرق الأوسط مع مفردات التحول الرقمي وآلياته، وهو ما يجعلنا في حالة تخلف عن ركب الثورة المعرفية الثالثة، وبالتالي سنظل قابعين تحت الهيمنة الرقمية التي تفرضها دول الشمال، وهو ما ينعكس بالسلب على هويتنا الثقافية، وإن كان هناك بعض المؤشرات التي تدعونا للتفاؤل نرصدها خلال السطور التالية.
فبالنظر إلى مؤشر جاهزية الحكومة للذكاء الاصطناعي الصادر عن مؤسسة "أكسفورد إنسايت" ومركز أبحاث التنمية الدولية 2021، نجد تقدم ترتيب مصر 55 مركزا لتصبح في المركز الـ 56 عالميا بين 172 دولة، مقارنة بالمركز الـ111 بين 194 دولة في عام 2019، وهو ما يعكس مدى الجهود التي بذلتها الحكومة لتحقيق هذا الإنجاز والتي من أبرزها التوسع في تبني التكنولوجيات الحديثة لتقديم خدمات مصر الرقمية، وتنفيذ مشروع ضخم لتطوير البنية التحتية للاتصالات باستثمارات تصل إلى نحو 1.6 مليار دولار في 2019، وتنفيذ المرحلة الثانية للمشروع في العام المالي الحالي باستثمارات 300 مليون دولار.
إن تهيئة البيئة التشريعية والقانونية التي تحكم استخدامات الذكاء الاصطناعي، وذلك من خلال إصدار قانون حماية البيانات الشخصية الذي ينظم العلاقة بين مالك البيانات والمستخدمين وفي إطار منهجي لقياس مدى استعداد الحكومات لاستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي ارتكازا على ثلاثة محاور رئيسة، يغطيها 33 مؤشرا، نرى أن مجتمعنا المصري في حاجة إلى مزيد من الجهود الحكومية نحو التحول الرقمي في إطار وجود استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي.