القاهرة 01 يونيو 2021 الساعة 09:29 ص
بقلم: علي سرحان
لم يؤثر الدين في حضارة مثلما أثر في الحضارة المصرية القديمة، فهو يعد الباعث الأول لقيام هذه الحضارة ولا توجد أمة أثرت الديانة في كل جوانب حياتها مثلما أثر الدين في حياة المصريين القدماء، وبما أن كل ديانة سواء أكانت تنزيلية أم وضعية تقوم على أسس خمسة هي:
الأول: الآلهة في الوضعية، والإله الواحد (الله) عز وجل في التنزيلية، أي من هو في موقع العبادة ومن تؤدى له فروض الطاعة بوصفه المتحكم في أمور عباده والحقيقة أن المصرى القديم آمن بالله عز وجل، ولكن جسد قوته في بعض الأشكال كالحيوانات والشمس والقمر وغيرها.
الثاني: العُباد الذين يؤدون العبادات للآلهة ويتبركون بها ويتوسلون لها لتحقيق سعاداتهم الدنيوية والرضا عنهم وحمايتهم في حياتهم الآخروية.
الثالث: الوسطاء بين الآلهة والمتعبدين (الكهنة) وما شابه مهماتهم من رجال الدين حيث كان للكهنة في مصر دور بارز خلال فترات التاريخ المصري.
الرابع: الشعائر والطقوس يقوم بها المتعبدون بعد تصديقهم وإيمانهم بما ورد عن الإله تصديقا وإيمانا جازما في قلوبهم (العقائد) التي يهدفون من ورائها كسب رضا الإله.
الخامس: أماكن للعبادة يؤدي فيها العباد بإشراف الكهنة (رجال الدين)، الشعائر والطقوس للإله أو للآلهة.
لا مجال للشك في أهمية دراسة أثر الدين في تاريخ الأمم، وبما أن التاريخ يمثل نشاطات الأفراد والأمم مجتمعة، فإن دراسة أثر الدين في شخصية مثل شخصية الملك أمنمحات الأول تمثل دراسة لحلقة من حلقات تأثير الدين في التاريخ، كونه يمثل ظاهرة لها عظيم الأثر في تاريخ مصر القديمة، حتى قبل تسلمه عرش مصر، ومن ثم أثر الدين في منهجه في الحكم وأهم مخلفاته، حتى وفاته وما رافقها من طقوس جنائزية، ومن ثم نتتبع أثر الدين في بناء مدفنه، وقد أثر الدين تأثيرا بالغا في شخصية الملك أمنمحات الأول فقد دخلت أسماء الآلهة في تركيب أسمائه جميعها؛ وذلك من أجل كسب ود عبادها وولاء مراكز عبادتها، وقام كذلك وعن قصد بإدخال اسم الإله أمون ضمن تركيبة اسمه وجعله إله الدولة الأول الذي غطى على جميع الآلهة المصرية، بعد أن أدمج في بعضها مثل الآلهة رع فصار الإله أمون – رع أو بعد أن ورث مهام وصفات بعضها الآخر مثل ما حصل مع الإله مين، كذلك وظف الملك أمنمحات الأول الأدب الأسطوري لإضفاء شيء من الصفات البطولية والإعجاز على نفسه حينما كان وزيرا في أواخر مدة حكم الأسرة الحادية عشرة ومن ثم نجده يوظف الدين وبخاصة النبوءة الدينية خير توظيف في أمر تسلمه عرش مصر، وهذا ما ورد في نبوءة نفرتي التي صورت أمنمحات بصورة المنقذ الذي سوف يأتي بعد فوضى وغياب للعدالة فيعمل على استعادة الاستقرار وتحقيق العدالة بفضل ما كان يمتلك عقلية سياسية وإدارية فذة تسلم الملك أمنمحات الأول عرش مصر وهي ما زالت تعاني من مخلفات الفوضى السياسية والضعف الاقتصادي الذي مرت به البلاد طيلة عصر الفوضى والذي استمر من نهاية الأسرة السادسة وحتى نهاية الأسرة العاشرة.
وكان في طليعة مهام الملك أمنمحات الأول القضاء على حالة تسلط أمراء الأقاليم على مقدرات البلاد وسياستها وجعلهم خاضعين للسلطة المركزية، ونشر العدل بين الناس مات الملك أمنمحات الأول على أثر مؤامرة دبرت له داخل قصره من حاشيته. وكانت الطقوس الجنائزية المرافقة (لجنازته ومكان دفنه) مجموعته الهرمية التي بناها في عاصمته الجديدة "ايت ثاوي"، تشير بوضوح إلى أنه كان يعمل على إعادة ما كان سائدا إبان حكم فراعنة مصر أيام الدولة القديمة وكيف كانت الشعائر والطقوس الدينية تلعب دورا كبير في مراسيم تجهيز ودفن الملوك.
لقد أثر الدين أيضا في العقيده المصرية القديمة حيث نجد أن المصري القديم آمن بالحياه الآخرى، بالبعث والخلود آمن أنه سوف يخلد ضامنًا للحياة الآخرى بسبب حبه وخوفه من معبوداته، المصري القديم ضمن الحياة ما بعد الموت حيث كانت عقيده الموت راسخة في ذهنة وأعد لها العدة منذ حياته، حيث إنه اهتم بالقبر عن المنزل، اهتم بالتدين عن الحياه والبذخ، اهتم بالتقرب للآلهة لأنه اعتقد أن القوة تكمن في تلك المخلوقات الآلهية .
كذلك تصور المصريون القدماء آلهتهم بأشكال عديدة ومع أن الآلهة المجسمة تمثل شكلا واحدا فقط من الأشكال الرئيسة فإن هذه الفئة واسعة وتشمل عدة أنواع مختلفة، فبالرغم من أن في هذه الآلهة الفئة متشابة في إظهار هوية أساسها مجسم في شكلها الأيقوني وفي سلوكها الميثولوجي فهي قد تأخذ شكلا آدميا أو شكلا مزدوجا أو شكلا مركبا، وقد تشمل الفئة تأليه الأشياء غير الحية، وفي حين أن المصريين لم يفرقوا بين الآلهة المجسمة وغيرھا من الآلهة، فإن هذه الفئة كانت من أهم الآلهة في مصر القديمة وكان الشكل المجسم مستخدما أكثر من أي شكل آخر في الأيقونة الدينية لتوضيح التفاعل بين البشر والآلهة.