القاهرة 04 مايو 2021 الساعة 11:13 ص
حاورها: صلاح صيام
رمضان شهر يحمل بين طياته عدة معان دينية وروحية، ويأتينا كل عام فى وقت مختلف. والعوام يصومون نهاره ويحاولون إحياء ليله بقدر المستطاع، فماذا عن المبدعين وماذا يمثل لهم هذا الضيف الكريم؟! هل هو فرصة للراحة والاستجمام والبعد عن العالم المادي، والغوص في الروحانيات والانكفاء على الذات، أم أنه ملهم للإبداع على اعتبار أن كثرة الطعام لا تعطي مجالا للعمل الذهني؟ أم أنه مزيج من العمل الإبداعي، والنهل من بركته..
واليوم موعدنا مع الشاعرة هويدا عطا ابنة محافظة سوهاج بصعيد مصر التي تخرجت في كلية الإعلام وهي أول سيدة عربية تخصص لها جائزة تحمل اسمها في باريس بفرنسا "جائزة الأديبة والشاعرة هويدا عطا للحرية والإبداع"، شدا بكلماتها مطربون وموسيقيون عرب أمثال لطفي بوشناق ونصير شمة ومدحت صالح.
بحثت عن الفن في التراث العربي؛ شعرا ونثرا وأعلاما، وأحيت بقلمها تاريخ شخصيات كانت في طي النسيان حين ألفت "رجال مبارك بن لندن يتحدثون"، و"الشرعبي ذاكرة 100 عام"، و"أيام لطيفة".
قالت عن نفسها: بدأت رحلتي مع الإبداع في سن مبكرة؛ فبمجرد عودتي من المدرسة كنت أحضر على الفور كراسة الرسم وقلم الرصاص والألوان وأفترش بهم أرضية شرفة بيتنا، وأبدأ بالرسم، فقد كان للمشهد الرائع والذي يقع مباشرة في اتجاه بيتنا بمدينة جرجا العريقة بمحافظة سوهاج مقرا للحكم العثماني في أوج فترات حكمه، مشهد تمتزج فيه ألوان الطبيعة من جبال "صفراء" ومياه النيل الزرقاء وأوراق الغيطان الخضراء والملونة، وكان لهذا المشهد الأثر الكبير في خلق موهبتي الأدبية.
عن ذكراتها مع شهر رمضان المعظم قالت:
أيامنا الأولى بالشهر الكريم لا تعوض أبدا مهما جاءت من بعدها من تفاصيل تبدو هي الأخرى جميلة فما أجمل أن تقضي إفطار وسحور شهر رمضان بين حنايا الأب والأم بطفولة تروي من محبتهما واهتمامها بك من أول يوم لا آخر يوم، وخاصة وأنت تحاول تقليدهما في تحمل مشقة الصيام فترى العطف في عينيهما وتلمس حنان قلبيهما عليك وتسعد كثيرا عندما يجبرانك على قطع صيامك وإرغامك على تناول الطعام وأنت تحاول ببراءة أن تمنعهما عن ذلك ولكنك في قرارة نفسك تتمنى أبعاد شبح الجوع والظمأ الفتاك على يديهما.
كان للفانوس السحري حواديت نعيشها معه بين الأصحاب وسط ظلمة الأمن ضياء خافت يزيد الخيال جمال وأغاني رمضان الشهيرة التي لا ننقطع عن ترديدها طول فترة الإفطار حتى السحور مستقبلين المسحراتي بفوانسينا المشتعلة حوله، كبرنا في كنف الوالدين والأخوة وكبر تحملنا للصيام ومعها أحلامنا التي كانت بطعم الكنافة والقطايف والزلابيا وبات رمضان بيتنا مرتبط برخامة صوت محمد رفعت وملائكية عبد الباسط عبد الصمد والبصمة التي لا تمحى أبدا من تواشيح النقشبندي التي تبشرنا بقرب انطلاق مدفع الإفطار، وصوت أبي العسكري في تحفيزنا للإسراع بتحضير الإفطار، وقبل كل شيء والأهم طبقه المفضل من لقيمات الزلابيا الساخنة الشهية الواقفة باعتزاز بين أنواع 6 من العصائر كان أبي أيضا يحرص عل إحضارها وتجهيز بعضها بالبيت، كانت أمي المسكينة تتحمل رغباتنا الحالمة بإفطار شهي بكل طيبة وتحمل.. حيث نتفرغ جميعنا لنصلي التروايح كل منا يجهتد بطريقته لإرضاء رب العالمين.
وكانت الفوازير هي الفرحة الكبرى التي تجمعنا حولها.. بشغف المشاهدة هكذا عشنا بهجة رمضان التي حفرت بالقلب والذاكرة، وباتت كل هذه التفاصيل مرتبطة بشهرنا الفضيل حتى الآن فما زلت أحرص على شراء فانوس رمضان حتى بات عندي كتيبة من الفوانيس الملونة الواقفة في صمود بأركان المنزل في انتظار أصدقائها الجدد بشغف، أما الزلابيا فأول شيء ساخن من الطعام أتناوله، (ابن الوز عوام) أما عن الإبداع فهو مثلي منقطع عن الطعام والماء.. لكنه يأتي بقوة عندما تلح القريحة والتأثر بتفصيلة حياتية مفاجئة.