القاهرة 18 مارس 2021 الساعة 09:36 ص
منذ أن صدر كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" عام 1938 لعميد الأدب العربي طه حسين بعد معاهدة 1936 بين مصر وبريطانيا، وما تضمنه من أفكار عن مستقبل التعليم فى مصر بعدما نالت الاستقلال، انقطعت الإسهامات الفكرية المرتبطة باستشراف المستقبل فى مصر وعالمنا العربي لدى كبار مفكرينا وأدبائنا؛ وإن كان طيف المستقبل لاح فى الأفق الفكري لدى بعض مفكرينا فى المغرب العربي مثل أعمال المفكر المغربي وعالم المستقبليات المهدي المنجرة منذ عام (1973-2007)، إلا أن الأعمال الفكرية المرتبطة باستشراف المستقبل فى مصر تراجعت تماماً في كافة مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية حتى عام 1990 عندما صدر كتاب للدكتور مصطفى محمود بعنوان "قراءة للمستقبل" على الرغم من أنه كتاب يتناول توقعات المستقبل السياسي في مصر، وتوقعات مستقبل الإسلام السياسي والعلمانية.
منذ ذلك التاريخ؛ وحتي عام 2005 اختفت مرة أخرى الأعمال الفكرية التى تتحدث عن المستقبل حتى ظهور كتاب أستاذ علم الاجتماع الأستاذ الدكتور أحمد زايد عام 2005؛ بعنوان "المعرفة وصناعة المستقبل"، ومن بعده كتاب "المستقبل في الفكر اليوناني والإسلامي" للدكتور رحيم الساعدي، ومؤخراً كتاب الأستاذة الدكتورة عواطف عبد الرحمن أستاذة الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة بعنوان "بوابات التفكير المستقبلي"، وهو الأمر الذي يؤكد ندرة المؤلفات التى تتعلق باستشراف المستقبل فى مصر والوطن العربي لأسباب سياسية واقتصادية وثقافية ومجتمعية بالطبع.
وأمس الأول، كانت اللجنة الثقافية العليا لمعرض القاهرة الدولى للكتاب في دورته 52 -المقرر انعقادها خلال الفترة من 30 يونيه حتى 15 يوليو 2021 با?رض المعارض بالتجمع الخامس- قد اجتمعت برئاسة الدكتور هيثم الحاج علي مفوضا عن الدكتورة ا?يناس عبد الدايم وزيرة الثقافة، وقررت اللجنة ا?ن تا?تي هذه الدورة تحت شعار "هوية مصر: الثقافة وسو?ال المستقبل"، كما وقع اختيار اللجنة على الكاتب يحيى حقي شخصية المعرض هذا العام، كما وقع اختيارها على الكاتب عبد التواب يوسف لا?ول مرة كشخصية خاصة للمعرض ممثلا لكتاب الطفل، إضافة الى استمرار الاحتفاء بمئوية الكاتب والمترجم الدكتور ثروت عكاشة، والشاعر صلاح عبد الصبور من خلال ا?حد محاور الفعاليات الثقافية بالمعرض، بالا?ضافة ا?لى طباعة مجموعة من مو?لفاتهم ضمن احتفالات وزارة الثقافة بالكاتبين الكبيرين.
وهنا يجب أن نتوقف قليلاً أمام شعار المعرض هذا العام وهو "هوية مصر: الثقافة وسو?ال المستقبل" وهو شعار نحن فى أمس الحاجة الى ربطه بواقعنا الثقافي فى المقام الأول والاجتماعي ككل؛ أي الانتقال من مرحلة كونه شعارا لدورة معرض الكتاب إلى مرحلة تطبيقه كواقع معايش فى كافة مناحي الحياة داخل مجتمعنا المصري، فبالنظر إلى هويتنا المصرية سنرى أنها تعرضت على مدار عقود مضت لكثير من التشوهات؛ كما أن ثقافتنا المصرية تراجعت لأسباب عديدة أدت لتراجع تأثيرها بشكل كبير، كما أن سؤال المستقبل لم يعد ضمن أجندة أولوياتنا الفكرية؛ ومن ثم تراجعت الثقافة وظللنا نعيش فى كنف الماضى والحاضر ليس أكثر.
أتمنى؛ أن تنشط الدراسات المستقبلية فى مجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية بجامعاتنا المصرية، وأن يضع كل صانع قرار كل فى موقعه سؤال المستقبل على أجندة أولوياته خلال الفترة المقبلة؛ كما أتمنى أن تعاد الخريطة المعرفية والفكرية لدى مفكرينا فى مصر والوطن العربي لتتضمن سؤال المستقبل فى الترسيم الجديد لأعمالهم القادمة، لأن سؤال المستقبل يحتاج من كل القوي الفاعلة سياسياً وثقافياً وثقافياً وفكرياً أن يكون أولوية؛ لأنه بدون استشراف المستقبل لن نستطيع أن نتقدم خطوة إلي الأمام؛ ويكفى أن ننظر إلى استراتيجية مصر 2030، واستراتيجية السعودية التى تتزامن معها.
وما نود أن نختتم به ها الحديث الأسبوعي الممتد معكم أنه إذا كانت الدول العربية بدأت فى وضع استراتيجيات مستقبلية ولو على المستقبل القريب؛ فإنه يجب على مفكرينا ونخبتنا الثقافية أن يعيدوا النظر فى مسألة استشراف المستقبل فى أعمالهم القادمة حتى نستطيع أن نقدم إلى الأجيال الجديدة بارقة أمل، ولكن مصاغة بمنهجية علمية لا تستند إلى الخيال أو التنبواءات، بل إلى العلم.