القاهرة 02 مارس 2021 الساعة 09:19 ص
محمد جمال الروح
منذ أيام عرضت مسرحية "بودي جارد" على منصة "شاهد vip " ، ليشاهدها الجمهور لأول مرة منذ عرضها الذي بدأ في عام 1999 ، ظلت المسرحية تقدم عروضها على مسرح الهرم لمدة 11 موسماً حتى توقفت عام 2010 وظلت منذ ذلك التاريخ حبيسة الأدراج لمدة 11 عاما ، جرت خلالها مفاوضات بين القنوات التليفزيونية ومنتج المسرحية باءت جميعها بالفشل لمبالغة المنتج سمير خفاجة في القيمة المادية المطلوبة لبيع المسرحية ، حتى أعلنت هيئة الترفيه السعودية عن شرائها لحقوق بث المسرحية التى ستعرضها على منصة شاهد vip الإلكترونية ، وبعد عرض المسرحية بساعات تم تسريبها على عدد من المواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ليتصدر بعدها اسم المسرحية محركات البحث وتصبح ترند بعد مرور 21 عاماً على عرضها .
وحقيقة هذا التلهف الجماهيري الكبير يرجع لحجم النجم عادل إمام ومدى قدرته على جذب المشاهد العربي لأعماله ،هذا النجم الكبير الذى تربع على عرش الكوميديا لعقود، بل إن مجرد استمراره طوال هذه الفترة الزمنية أمر يحتاج لدراسة ذائقة الجماهير وارتباطها العاطفي بنجومها المفضلة ، لكن يبقى السؤال ماذا ننتظر من عمل ظل الزعيم يعرضه لأكثر من عشر سنوات وانتظره الجمهور لأكثر من عشرين سنه حتى يعرض على الشاشات؟ غالبا نتوقع عملا جيدا ممتعا وناضجا، يضع فيه الزعيم خلاصة خبراته الفنية الممتدة لعقود طويلة، ويسخر له كل عناصر النجاح والتفرد ويجمع حوله فريقاً يستطيع أن يقدم به عملا يرضي جماهيره التى مازالت على العهد معه، فى مصر هوليود الشرق حيث يسعى معظم الفنانين والمنتجين والكتاب صغاراً وكباراً للعمل مع عادل إمام لأنه بوابة النجاح والاعتماد لدى الجمهور.
كان عادل إمام الذي صنع نجوميته بذكاء كبير يحرص أن يكون نادر الظهور لا يظهر في لقاءات أو مقابلات أو مناسبات عامة، خلق له هذا المسلك المقصود حاله من الجلالة الفنية حتى أصبحت مجرد رؤيته حدثا كبيرا، فكانت الجماهير تأتى من خارج مصر وداخلها وتدفع في التذكرة ثمنا باهظا لترى عادل إمام رؤية العين بصرف النظر عن المستوى الفني الذي يقدمه، وهذا يفسر استمرار عرض مسرحياته لسنوات.
كل هذه العوامل وضعت في يد عادل إمام سلطة فنية كبيرة تجعله يقدم عملا هو وحده الذي يستطيع أن يحدد مستواه .
كنا ننتظر ونحن نشاهد مسرحية بودي جارد أن نرى عملا على قدر المأمول من فنان كبير يمتد جمهوره من المحيط للخليج ، لكن الصدمة كانت على الجمهور الذي صنعت ماركة الزعيم وظل يتوارثها لأجيال، وبالتدقيق في المنتج الفني لعادل إمام في السنوات الأخيرة نلاحظ تراجعا كبيرا لدرجة أن هذا التراجع أصبح يهدد تاريخه ومنجزه الفني، فهل عادل إمام الذي قدم لنا أفلاما مثل "حتى لا يطير الدخان" و"احنا بتوع الاتوبيس" و"الغول" و"الحريف" و"اللعب مع الكبار" و"طيور الظلام" وغيرهم هو الذي قدم لنا أخيرا "بوبوس" و"مرجان احمد مرجان" و"التجربة الدينماركية" ، وهل هو نفسه الذي قدم مسلسلات درامية مثل "أحلام الفتى الطائر" و"دموع في عيون وقحة" ليقدم لنا أخيرا فلانتينو في رمضان الماضي، وعلى خشبة للمسرح قدم لنا شاهد ما شفش حاجة التى حفظت الناس ايفاتهاها عن ظهر قلب هل هو ذات الفنان الذي يلعب بطولة مسرحية بودي جارد؟!.
طبعا لا ، نتذكر كيف كانت أم كلثوم "كوكب الشرق" تنتقى ملحنيها وشعراءها، كم مرة تمنعت وترددت لتكتشف وتؤمن بعبقرية بليغ حمدي، هذا ما جعل ام كلثوم تحافظ على مستوى فني ثابت لم يختل ولم يتأثر بالزمن أو المتغيرات، الحسرة التى أصابت الجمهور حين عرضت مسرحية بودى جارد لم تكن مفاجاة كبيرة ، فقد داوم عادل إمام فى السنوات الأخيرة على التعاون مع أقل الكتاب موهبة وأضعف المخرجين رؤية ولولا اسمه ونجوميته لما استحقت هذه الأعمال أن تعرض بالأساس لما بها من تسطيح وركاكة وابتذال وتكرار!.
ومما يستحق التساؤل هل التقدم في العمر والخوف من خفوت البريق هو السبب في اختيار أعمال سهلة استهلاكية كأكواب البلاستيك؟! ما الذي يجعل فنانا بحجم عادل إمام يفقد بوصلة التمييز بين النص الجيد والمبتذل؟! .نجوم المسرحية وقصتها
بودي جارد من بطولة ورغدة، وسعيد عبدالغني، وعزت أبوعوف، ومحمد أبوداوود وضياء عبدالخالق، وتدور أحداث مسرحية بودى جارد التى كتبها يوسف معاطى وأخرجها رامى إمام حول "أدهم" الذي يقدمه عادل إمام، السجين الذي يعقد صفقة مع "سعد"، عزت أبو عوف، رجل الأعمال المسجون ومتهم بسرقة 700 مليون جنيه، بأن يعمل حارسا شخصيا لدى زوجته عائشة "رغدة "، التي تقع في حب "أدهم"، ويكتشف هذه العلاقة "كاظم" صديق "سعد"، ويبلغه بها، ليكتشف خيانة زوجته، ثم يقوم بتلفيق تهمة لـ"أدهم" بينما يحاول "سعد" الهرب بما سرقه من مال، ولكن "أدهم" يتمكن من إيقافه .
مزالق المسرحية وعثراتها
نحن أمام قصة مبتذلة وخيال بائس، وحبكة غير مقنعة وطاقات تمثيلية مهدرة وعزف على تيمات بالية استهلكها الزعيم عشرات المرات ، تكنيك وأداء حركي وتعبيري مكرر جاء أسوا مما قدمه عادل إمام في الواد سيد الشغال لدرجة أننا نشعر أن شخصية سيد هي نفسها شخصية أدهم ،إننا في فصول أخرى من الواد سيد الشغال ، نفس الايفهات وطرق اصطناع الضحك المعهودة ، والتصدير المبتذل للجسد الأنثوي على خشبة المسرح المتمثل في أربعة نساء شبه عاريات يتحرش بهن الزعيم طوال الوقت بالقبل والأحضان، وجاءت سنوغرافيا المسرح فقيرة تقليدية لا تشى بأى ملمح إبداعي.
وكأن نجوم المسرحية عبارة عن تروس دارت وفق مقاييس الزعيم الكوميدية دورها تهيئة وتمرير الكرة للزعيم كي يسدد افيهاته ، أما بطلة المسرحية الفنانة والشاعرة رغدة كانت نغمة شاذة عن هذا العمل فهى آخر من تقوم بدور كوميدي بملامحها الحادة وأدائها الجاد ، واختيارها لمثل هذه الدور خطأ فنى فادح أضر بها وبالعمل ، لكننا نعرف أنها جاءت بديلة مؤقته لشيرين سيف النصر وهي الأنسب لهذا الدور الذي لا يحتاج لطاقات أدائية بقدر ما يحتاج لأنوثة ونعومة طاغية دائما ما يحرص الزعيم على وجودها في خلطاته ، كما جاء الفنان محمد أبو داوود بديلاً للفنان مصطفى متولى الذى وافته المنية بعد عام من بداية عرض المسرحية .
رحلة طويلة قطعها المسرح المصري منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر قدم فيها صناع ورواد وعباقرة هذا الفن روائعهم الخالدة ، وإلى الآن تقدم عشرات الفرق فى الأقاليم فناً رفيعاً لا تنقصه الموهبة رغم قلة الإمكانات . يكافحون من أجل هذا الفن الرفيع ورسالته السامية ، فالوقوف على خشبة المسرح أمام الجمهور مسئولية كبيرة ورسالة فنية وإنسانية أعظم ، وإن كنا نتفهم بعض التنازلات الفنية التى يقدمها المسرح الكوميدي التجاري السياحي أو أى كان تصنيفه، فهل تكون هذه التنازلات لهذا الحد؟ وما سببها وضرورتها؟ إن كان بطلها نجما يملك سلطات الزعيم .