القاهرة 23 فبراير 2021 الساعة 09:56 ص
كتب: جمال عاشور
ساعد المناخ الثقافي والفكري في نهاية القرن التاسع عشر في نجاح تجربة مسرح "يعقوب صنوع" المسرحية، حيث شهدت تلك الفترة صحوة تنويرية كبيرة كان من مظاهرها تشجيع التعليم وتنشيط حركة التأليف والترجمة وظهور عدة صحف مع إيفاد البعثات العلمية للخارج، وهو ما تناوله الدكتور "عمرو دوارة" في كتابه: "المسرح المصري 150 عامًا من الإبداع".
ونوه "دوارة" في الكتاب إلى أن التعضيد والمساندة والتشجيع الذي أبدته الطبقات المتوسطة بالمجتمع في تلك الفترة نحو مسرحيات "يعقوب صنوع" عام 1870 كانت تعد ترجمة صادقة لحاجة البلاد إلى مسرح مصري وطني يتناول القضايا اليومية للطبقات المهمشة والطبقات المتوسطة، ويكون بديلًا عن تلك المسارح الفخمة التي شيدت واقتصر نشاطها على تقديم العروض الأجنبية المستضافة بهدف الترفيه عن الجاليات الأجنبية بالبلاد والطبقات الأرستقراطية.
وأكد "دوارة" في فصل بالكتاب يحمل عنوان "المسرح المصري خلال العقد الأول (1870 - 1879)" على أن تجربة الرائد يعقوب صنوع والتي وئدت مبكرًا بنفيه إلى باريس عام 1872 كنتيجة منطقية لتوجيهه بعض الانتقادات اللاذعة للخديوي من خلال مسرحياته (وخاصة مسرحية "الضرتين") لم تذهب هباءً، بل كان لها الفضل الأول في غرس أصول الفن المسرحي العربي بالتربة المصرية، وتنبيه الخديوي إلى ذلك الفراغ الذي تركه "يعقوب صنوع" شاغرًا، مما دفع الخديوي إلى محاولة استكمال مظاهر النهضة التي ينشدها وتعويض غياب الفن المسرحي بالموافقة على دعم واستقبال فرقة "سليم النقاش" القادمة من الشام عام 1876 لتقديم عروضها بمصر.
وكانت بدايات المسرح العربي - بصورته الغربية الحديثة - قد بدأ بفضل مغامرة الرائد اللبناني مارون النقاش (عم الفنان والأديب/ سليم النقاش) عام 1947، ومن بعده تجربة الفنان السوري أبو خليل القباني عام 1856، لكن قوى الرجعية والتعصب والتخلف نجحت في وأد كل منهما مبكرا.
ونرصد هنا تاريخ كل فرقة من الفرق المسرحية الثلاث التي كان لها فضل الريادة في هذا العقد، فرقة "يعقوب صنوع": (1870 - 1872) حيث اتجهت محاولات وتجارب الرائد المصري يعقوب صنوع - التي بدأها عام 1870 - نحو تقديم الكوميديا الشعبية ومعالجة بعض القضايا الاجتماعية من خلال بعض الأنماط التقليدية للكوميديا - وهو الاتجاه الذي تطور في العقد الثاني من القرن العشرين بظهور الفرق الكوميدية الكبرى.
وتتضمن قائمة أعماله المسرحية عددًا من المسرحيات القصيرة بالإضافة إلى بعض المسرحيات الطويلة أيضا، ومن أهم مسرحياته: أبو ريدة البربري وكعب الخير، طرطوف، غندور مصر (1870)، الأميرة الإسكندرانية (فاطمة)، البخيل، البورصة (بورصة مصر)، الصداقة (الوفاء في الحب)، آنسة على الموضة، حلوان والعليل (العليل)، راستور وشيخ البلد والقواص (1971)، الضرتان وغيرها.
أما فرقة "سليم النقاش": (1876 - 1877) فقدمت من الشام إلى مصر عام 1876 - بعدما توقفت كل من تجربة "مارون النقاش" بلبنان، و"أبو خليل القباني" بسوريا وتجربة "يعقوب صنوع" بمصر- وبرغم استمرارها لأقل من عام فقط إلا أنها كانت صاحبة الفضل الأول في غرس وتأصيل الظاهرة المسرحية بالوطن العربي، حيث لم تتوقف العروض المسرحية بمصر منذ ذلك التاريخ وحتى الآن، ثم انطلقت منها بعد ذلك عدة تجارب مسرحية رائدة لجميع الدول العربية.
واستمرت الحركة المسرحية بمصر بفضل تفرع عدد كبير من الفرق المسرحية من خلال هذه الفرقة الأم، وكانت فرقة "سليم النقاش" أولى الفرق المسرحية الشامية التي قدمت إلى "مصر"، وإليها يرجع الفضل الحقيقي في نشر الفنون المسرحية بمصر وغرسها فى التربة العربية.
وأخيرًا فرقة "يوسف خياط" (1877 - 1888)، جاءت بعدما قرر الرائد المسرحي سليم النقاش مع صديقه الأديب أديب إسحق التفرغ للصحافة بمدينة الإسكندرية، وترك فرقته المسرحية ومسئوليتها كاملة ولم يجد أفضل من رفيق رحلته ونجم فرقته الفنان يوسف الخياط لقيادتها.
وأثبت الفنان يوسف الخياط تميزه بقدراته القيادية وخبراته الإدارية ونجح في تحقيق الاستمرارية للفرقة حتى عام 1988، وفي جذب جمهور جديد لعروضه وأيضا تشجيع نخبة من هواة التمثيل - سواء من المصريين أو من الشوام المقيمين بمصر - على الانضمام لفرقته.