القاهرة 29 ديسمبر 2020 الساعة 11:49 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
السؤال الأساسي الذي يعالجه بِلْ في هذا الكتاب هو: ما هي الصفة التي تميز العمل الفني عن الأعمال العادية والأشياء الطبيعية؟
إننا نشير إلى قطعة موسيقية لبيتهوفن، أو لوحة لسيزان، أو قصيدة لابن الرومي، أو رواية لنجيب محفوظ، أو تمثال لبرانكوزي، أو مسرحية لبرنارد شو، وأعمال أخرى كهذه، نشير إليها كأعمال فنية.
هذا ما يقوله أستاذ الفلسفة وعلم التاريخ د. ميشيل ميتياس في مقدمته لكتاب (الفن) الذي ألّفه كلايف بل وراجع هو ترجمته التي قام بها د. عادل مصطفى وصدر عن دار رؤية للنشر والتوزيع.
يضيف د. ميشيل قائلًا إنه في العادة يتم ”تذوق“ الأعمال الفنية جمالياً بينما يتم ”استخدام“ الأعمال العملية. إن كليهما يعتبر ”عملاً “: العمل الفني عمل ولكن ليس كل عملٍ عملاً فنياً. ويرى د. ميشيل أن صورة والده على الطاولة هي عمل ولوحة الموناليزا لليوناردو دافنشي هي أيضاً عمل، لكن الأولى عمل عادي والثانية عمل فني. إذن ما هي الصفة التي تميز الموناليزا كعمل فني؟
نوع من الثرثرة
يجيب: د. ميشيل بأن الأعمال الفنية تختلف عن بعضها البعض، فالسيمفونية تختلف بجوهرها ووجودها الفيزيائي عن القصيدة أو المسرحية أو التمثال أو العمارة أو الفيلم السينمائي أو الحديقة. لكننا نشير إليها جميعاً بكلمة ”فن“ ونميزها عن الأشياء الطبيعية والأدوات العادية التي نصنعها ونستعملها في تأمين حاجاتنا الإنسانية.
ثم يذكر د. ميشيل أن بل مؤلف الكتاب يرى أنه لو لم تكن هناك صفة مشتركة تشمل الأعمال الفنية جميعاً لكان حديثنا عن الأعمال الفنية نوعاً من الثرثرة. مضيفًا أننا نعرف أن عملاً ما هو عمل فني إذا أثار فينا انفعالاً خاصاً يسميه بل الانفعال الجمالي.
أما الصفة التي تثير الانفعال الجمالي فهي كما يرى بل الشكل الدال وهو الكيْف الذي يميز الأعمال الفنية عن الأعمال العادية أو اللا فنية.
أما ما يعنيه بل بالشكل الدال فهو نمط، طريقة، أسلوب تنظيم العناصر الحسية للعمل الفني.
إن كل عمل فني يمثل تشكيلاً فريداً. كذلك ومما هو واضح نرى أن بل يفصل بين الشكل الدال و” التمثيل“، والذي يشير عادة إلى موضوع أو مضمون العمل الفني.
ومن ناحية أخرى يرى بل أن العمل الفني موجود مستقل بذاته، عناصره متكاملة ودلالته الشكلية تنجم عن هذا التكامل. هذا ويتساءل د. ميشيل: تُرى هل يمكن للفنان أن يتخلى عن تمثيل الواقع؟.. ويجيب: كلا! فالفنان ابن ثقافته، إنه يرى ويفهم ويوؤل الواقع حوله كفرد، كإنسان عيني موجود في ثقافة معينة وفي زمان ومكان معين.
ثم يختتم د. ميشيل مقدمته هذه قائلاً إن هذا الكتاب يعد من أهم الأعمال الفلسفية التي كُتبتْ في فلسفة الفن. ولا يمكن لأي مفكر أن يُنظّر في طبيعة الفن بدون استيعاب سليم لنظرية بل.
أما د. عادل مصطفى مترجم الكتاب فيقول إن هذا الكتاب أنشودة في الفن صدح بها في أوائل القرن العشرين صوت من أعذب الأصوات الفلسفية وأعمقها، فوجد فيها أهل زمانه ترجمة صادقة لتلك الروح التي كانت آنذاك تدأب لكي تعي ذاتها وتلوب لكي تقبض على هويتها. ووجدت فيها الأجيال التالية معنى لا يغيب صداه وهدياً لا تضل بعده في فهم طبيعة الفن وكنهه وحقيقته النهائية.
انعتاق وانطلاق
هذا ويضيف أن هذا كتاب كلاسيكي نقل النظرية النقدية في الفن من جاهلية القرن التاسع عشر إلى بصائر القرن العشرين. كذلك يرى المترجم أن هذا الكتاب يقدم خلاصة النظرية الشكلية في الفن التى يرى أنها أعمق النظريات الفنية وأقربها إلى الصواب وأشدها إمساكاً بجوهر الفن لو أخذت بمعناها الحقيقي وفهمت على وجهها الصحيح.
كذلك يضيف أن الفن هو أقدر صنوف النشاط البشري تعبيراً عن التواصل بين الأفراد وبين الأجيال وبين الأمم، لأن الوجد الإستطيقي لا يحده الزمان ولا ترده التخوم الجغرافية.
إنه انعتاق من كل صنوف المركزية وانطلاق من كهوف التحيز والتعصب والتحزب، وأذان للأرواح بأن تنعطف وتأتلف وتتقاسم رحابة الوجود.
والفن بوظيفته المعرفية التي أشار إليها بل وسوزان لانجر وهربرت ريد وغيرهم يفتح لنا مغاليق العالم الوجداني. فإلى جانب العلم الذي يزيد من تمكننا الفكري والتصوري للعالم، فإن الفن يزيد من تمكننا الإدراكي والانفعالي.
هذا ويرى المترجم ضرورة التنبيه إلى أن التماس أي منفعة للفن من طريق آخر غير طريق الدلالة الإستيطيقية هو إبطال للفن ونفي لماهيته ذاتها.
فالفن الدعاوي والإرشادي والتزييني ليس فناً بل تناقضاً ذاتياً، شأنه شأن النقطة الممتدة أو المربع المستدير، والإصرار على توظيف الفن لخدمة أغراض حياتية مباشرة هو خسران لوظيفة الفن الحقيقية التي لا يقدر على الاضطلاع بها أي نشاط آخر.