القاهرة 01 يناير 2021 الساعة 10:57 ص
بقلم: د. عبد الله عبد العاطي النجار
جابور جوكيتش "Gyukics Gabor" شاعر ومترجم أدبي ومحرر مجري الأصل، ولد في بودابست عام 1958. ألف تسعة كتب شعرية، ستة منها باللغة المجرية، واثنان بالإنجليزية، وواحد بالبلغارية، بالإضافة إلى 13 كتابًا مترجما. قام بنشر أول قرص مدمج خاص به لموسيقى الجاز باللغة الإنجليزية بعنوان "Vibration of Words" مع ثلاثة موسيقيي جاز مذهلين في عام 2018. حصل على أكثر من 25 جائزة في الشعر والترجمة على مدار حياته الثرية بالأحداث والمستجدات المتواصلة.
بالرغم من أن جعل موسيقى الصور والأفكار ذات حيوية ونشاط منظم ليس بلا جذور في التقاليد الشعرية المجرية، في ذلك الشكل الذي يطبقه جوكيتش، إلا أنه غريب في أوروبا – والمجر تحديدا – إلى حد ما، وهو مألوف بشكل أكبر في الشعر الغنائي الأمريكي المعروف من خلال الشاعر. إذ أن موسيقاه لا تعتمد بشكل صريح على هيئة الموسيقى وبنيتها القوية – على غرار أشكال الموسيقى الجادة الأوربية الغربية على سبيل المثال، وليس على الموسيقى المستمدة من النص الرنان. في حالة هذا "الشيء التقليدي" الغريب يعد الطابع الارتجالي للجاز الحي ولحظيته وذاتيته الدقيقة أهم بكثير، وهي غريبة بشدة عن الشعر الأوروبي الذي يتطلع دوما إلى الثبات الجمالي.
تسأل هذه المجموعة من أشعار جابور جوكيتش عن أسس وضع الحديث الغنائي، الوجداني، وهي تقودنا عبر عالم غريب الأطوار. تحيك هذه الأسئلة الكلاسيكية الشاعرية خيوط هذه المجموعة من الأشعار كما يستخدم الجاز الارتجالي المعايير المعروفة من قبل الجميع، والتي تستطيع – رغم إمكانية التعرف عليها – التجدد والتصبغ بصبغة خاصة، فريدة، في كل عرض.
أشعار جوكيتش ترسم وتثير صورته وفكرته حين كتبها، ليس هناك أي بعد زمني بين التجربة والمشهد المسجلين في الشعر وبين المتحدث. ليس هناك ثبات، ليس ثمة شيء تقليدي، ليس في المنزل ما يمكن التشبث به، لا يوجد امتلاك، لا يوجد إلا ما يرى الشاعر ويجعل القارئ يراه وذلك التوازن في الشخصية المجردة.
مع الخريف
ورقة شجر مهتزة
ضربتها زخة مطر من على شجرة
إلى حيث تجرفها الرياح
على الأرض نملة
في الأرض دودة
تحيا من جديد
في الصيف
تهز رياح أشجار الحديقة
على غطاء البئر الصفيحية
تسقط تفاحة
تتقوقع فيها الدودة
مع الربيع
تفتحت بجوار كثيب النمل زهرة ثلجية
رقص النمل حول الحديقة
متخلصا من ثقله
لعبة طفل
يمسك الماء بقبضة يديه
يدخل قطراته بين أصابعه
يرفع الكلمات إلى راحة يده
يلتقط أصواتا بأذنه
يركل حصاة بقدمه
يغمض للرياح عينه
يدخل في ظل هاربا من الحرارة
يتحدث هذه اللغة بمفرده
متأخر
ليس إلى فوق الجبل
بل إلى الوادي
طار الدخان الأزرق
قرع الجرس الذي منذ وقت طويل لم يُقرع
جذب حبل القنب الممزق
لكن أحدا لم يستيقظ
في ذلك اليوم
شيش النوافذ مغلق
بوابات الحدائق موارَبَة
سياج البئر جاف
القرية صامتة
ليس لهذا أي صلة
(في إحياء ذكرى ايرا كوين)
نلوح مودعين الأحداث التي وقعت حتى هذه اللحظة
نسير بين تماسيح نائمة
صوب بؤرة مسارح الأحداث
غير مقاومين جذب الأسرار الغامضة
في زحامات العدم تحت السماء
في منحنيات الدائرة التي تمتد بلا انتهاء
بشفة صامتة
بعين مُحملقة
بصمت ثائر في جماجمنا
توجه خلايانا غير المحمية خطواتنا الخفية
عبر المنطقة المحظورة
يغذي ضباب أصفر
ما تبقى من جسدنا.
بعد الجنازة
حفر في الحجر الرقمان النهائيان
في أرض طينية،
يقبعان تحت رخامة صناعية
بقايا جثتي جدّاي
تفسح لجسمهما مكانا
حتى يناقشا
ما لم يستطيعا مناقشته وهما على قيد الحياة
اُستهلِكت أمي وذبلت ببساطة
كما هو حال الزبيب بعد أن كان نضرا
ثار عظمها على أبي
وذبلت معهما أيضا تلك الأشجار
التي غرساها سويّا
يُشعر برائحة أطلال منزلهما العتيق
تكسّرت سلسلة البئر الدائرية
وألقت بنفسها في الماء العميق
في وقت مبكر من المساء
من نافذة حارس المنزل
يُسمع صوت الراديو
من الجوار
فيلم حربي
ضجيج تلغراف
في السماء تُقِلُّ سحبٌ المطر إلى ريف آخر
لكن جزءا صغيرا منها يرجع ثانية
تهرِّبه دوامة ما داخلية
تتخلص من حملها فوقي
عند تيجان الأشجار الموجودة أمام المنزل
تفرَّغ عليَّ قطراتها قطرة قطرة
تماما حتى
يمص شعاع من أشعة الشمس
السحابة المتحمسة
من خلف صهريج المياه القريب
تضجج هليكوبتر وراء السحب
راحة يدي المبتلة
أمسحها في قميصي المبتل
طبقات
على كتان مختوم
بصمة إبهام مطبوعة
على طوبة سياج
دائرة محفورة
على ورقة مغمورة
حروف باهتة
من خلفها وراء ظهره
مات قبل أن تدب فيه الحياة
بلا فرصة
تخطو على العشب الجاف الذي نثرته الغابة بحذر
لا تركله هنا وهنالك مثل قديما كطفل
لا تكاد تبدو السماء بين ورق الشجر
تحت أوراق الجنكو لا يصل المطر
تمسح على قشرة الطحلب
تدور في شعرك زهرة
تدوس على كستناء الحصان
تلتقطها
يدق على شجرتها طائر نقار حقيقي
ينحي رأسه عند ضجيجك
ينظر لنفسه ويطير بعيدا عنك
جذر
ليس هناك رياح ألبتّة
ومع هذا تسجد على الأرض الشجرة
يُحيِّ جذرُها الشمسَ
ترمش التربة المقلوبة
تبتسم الفروع وهي حمراء الخدين
بعد الضربة الأولى
العش
يسقط على شجيرة عنب الثعلب
تكسره البلطة نصفين
لا يتوقعون
ينفتح بمقدار فتحةً صغيرةً
الصمتُ
يفسح مكانا
لصوت ضجيج حوله
بمجرد دخول الصوت
يسكت
يتوحد مع الصمت
في الخارج تمتزج الأصوات الجشّاء
ترصد متى ينفتح الصمت مرة أخرى في تلك الأثناء.