القاهرة 24 نوفمبر 2020 الساعة 10:28 ص
قصة: محمد أبوزيد
الثانية فجراً… توقيت أصبح بالنسبة لى يمثل رهبة وريِـبة، سيَفتح الباب ويخرج ولن أجده ثانياً، شعور مخيف يَـنشُب فى قلبى، منذ أن أُصيب أبى بالزهايمر، يخرج يرتدى بذلته ممسكا بعصاه و… "أجندة" محاضراته التى مضى عليها اثنى عشر عاما، ويفتح ليخرج.
اليوم تأخر عن موعده.. أصَابنى القلق دخلت غرفته لألقى عليه نظرة، إذ به جالس ناظراً إلى صورته وسط طلابه بقاعة المحاضرات، القاعة التى اهتزت بصوتهِ يوماً، هى ذكرياته وعمره، يتأملها ثم يُعيدها وقد انحدرت على خديه دموع رقيقة، ارتاح قلبى قليلا وتركته مع صورته…
"فجأة"…
– يا أميمة فين جاكت البدلة الكحلى؟
– ليه…
– هو إيه اللى ليه… اتأخرت على ميعاد المحاضرة، ومال البدلة متربة وبهتانة، هى أمك زى عادتها بوظتها فى الغسالة؟
– يا بابا…..
– يوووه الجزمة مقطوعة، والساعة، أخوكى مصلحهاش زى ما قلتله.
“أنظر إليه حزينة ينزف قلبى دمعًا، وتحدثه نفسى، وهو يقلب بين رفوف ذاك” الدولاب” العتيق، ليست أمى من فعلت ببذلتك هذا، بل السنين التى حبست ملابسك بين تلك الأرفف، قمصان تَغير لونها من طيلة الركود، بلوفرات ورابطات عنق ولى زمنها من بعيد، حقائب يد بها أقديمة وبضع ملفات..
- يا بنتى اندهيلى أمك تشوفلى جواز سفرى فين؟
- بابا… ماما ماتت من خمس سنين.
كُنت قاسية جداً، كان على? أن أخبره حتى يُفيق من نوبته، نظر لى بقهر ودمعت عيناه، فأخذت بيده إلى سريره، نظرته كانت إعلانا لهزيمة دامية، حاول المقاومة بخروجه كل ليلة، من أجل أن ينتصر على شيخوخته التى قد لازمته مؤخرا.
جلس على سريره مستندا على عكازه، يفتش فى أدراجه بين ساعاته التى اقتناها فى أسفاره ونظاراته السميكة، جوازات سفره القديمة، صورة رفيقة الدرب، يجلس على حافة سريره، وضع صورته مع الطلبة مع باقى مقتنياته، أغلق الدرج، انزلقت عصاه على الأرض لم يستطع أن يرفعها، اقتضب على شفته، أعلن استسلامه، وأراح ظهره على وسادته، ونام..