القاهرة 29 اكتوبر 2020 الساعة 06:18 م
لعل ابتعاد مجتمعنا المصرى عن الفلسفة ودراستها وتطبيقها فى أمور حياتنا كان له بالغ الأثر لما وصلنا إليه على مدار العقود الستة الماضية؛ وهو ما برزت آثاره على الشخصية المصرية التى فقدت بوصلتها من كافة مناحي الحياة وقضايا هذا المجتمع، فكانت النتيجة كما لاحظنا حالة من التخبط والفوضى واللاعودة.
بالنظر إلى الفكر العربى فى جوهره نجد أنه فكر تجريبي، اتخذ الملاحظة والتجربة مصدراً لعلمه، وإن كان لم يتجاوز ذلك لأفق أرحب تصل إلى التفكير العلمي، ثم التفكير الفلسفي فى إطاره الأرحب والأوسع، وهى مستويات المعرفة الثلاثة، وإن كنا اخترنا المستوى المعرفى التجريبى الذى هو وثيق الصلة بالدين فى المقام الأول واختزلناه فى فكرة الخلود و يوم الحساب؛ وإن كانت الأديان السماوية تحثنا على التجريب والعلم والفلسفة فى استقاء معارفنا وخوض غمار واقعنا؛ لكن للأسف اكتفينا بالتجريب وتخلينا عن العلم والفلسفة.
بالنظر إلى عدد مراكز البحوث الاجتماعية فى مصر خلال العقود الستة الماضية؛ نجد أن المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية لعب دوراً فاعلاً فى دراسة الظواهر المجتمعية "سياسيا، اقتصاديا، ثقافيا" بوصفه مركزا للتفكير يخرج من وعائه رؤى وتصورات باحثيه لصانع القرار يأخذ بها عند صناعة سياساته؛ وإن كان هذا الدور قد تراجع فى العقدين الأخيرين، فى الوقت نفسه لم توجد مراكز للتفكير إلا القليل يقوم بهذا الدور، وهو ما كان له من الأثر للحد الذى جعل من القضايا الاجتماعية البسيطة أن تتحول إلى ظواهر اجتماعية كبرى تؤرق هذا المجتمع، منها على سبيل المثال قضية التحرش، التى هي تعد فى إطار ظاهرة أشمل ألا وهي العنف المجتمعي؛ وهو ما نواجه وحدات مكافحة العنف ضد المرأة الموجودة بكل قسم شرطة على مدار الساعة؛ وإن كان هذا ليس كافياً، وبخاصة بعد أن تحولت إلى ظاهرة تحتاج إلى جهود بحثية تبحثها فى إطارها الأشمل للخروج بنتائج تسهم بشكل حقيقى للقضاء على هذه الظاهرة.
نعود مرة أخرى إلى اتجاهات التفكير فى مصر؛ والذى يعد مؤشرا حيا وحقيقيا لتبيان أين تقف الشخصية المصرية على الخريطة المعرفية للإنسانية؛ حتي نستطيع أن نقدم لمجتمعنا شخصيات فاعلة فى كافة التخصصات، يجب أن تتسع رؤية القائمين على وضع المناهج التعليمية لتضمين مناهج فلسفة العلوم كمقرر أساسى للدراسين فى المرحلتين ما قبل التعليم الجامعى، وما بعدها، حتى يتمرن العقل المصري على أن يكون عقلاً نقدياً لواقعه، ولحياته العملية، وهو ما يجعله قادرا على الاختيار الحر فى كافة أموره وأثناء تفاعله ومشاركته لمجتمعه، بدلاً من أن يكون مترددا،ً فتضيع الفرصة.