القاهرة 06 اكتوبر 2020 الساعة 08:52 ص
حاوره: عاطف محمد عبد المجيد
بهاء أحمد توفيق شاعر مصري جنوبي من أسيوط، ولد في مدينة منفلوط، وترجع أصوله إلى قرية المنشاة الكبرى. يقيم حاليًّا ويعمل في ثقافة منفلوط. يكتب قصيدة العامية المصرية، غير أنه مُقلّ في النشر والظهور. حصل ديوانه "كراكيب بدون معنى" على الجائزة المركزية للهيئة العامة لقصور الثقافة. وهنا، في حواري معه، أسعى للاقتراب من عالمه الشخصي والإبداعي.
* كيف ترى مستقبل قصيدة العامية في ظل اجتياح "مُسمّى" النثر لكل الفنون الكلامية؟
قديمًا قال شوقى "أخشى على الفصحى من عامية بيرم" وذلك لأنها من أسهل وأمتع الفنون القولية وأحبها إلى قلب جمهور الشعر بكل أشكاله، وسوف تستمر العامية فى صدارتها فى اللقاءات الجماهيرية التى تجذب المستمع، ولا أخشى أبدًا عليها من النثر، فموسيقى الشعر هى السحر، والشاعر هو الساحر الذى يُلقى بتعويذته على القلوب فيأسرها، ولكن كل هذا يرجع إلى تمكن الشاعر من أدواته قبل كل شيء. والعامية المصرية تحديدًا يفهمها كل العرب، لأنها تقترب كثيرًا من العربية الفصيحة، كما أنها قادرة على استيعاب مفردات وألفاظ من أى لغة أأخرى بل إنها تستعمل المصطلحات الحديثة التى يطلقها الشباب بين الحين والآخر، لذا فهى الأكثر استخدامًا والأسرع وصولًا .
* هل هناك ما يُميز قصيدة العامية في جنوب مصر عن مثيلتها في شمالها؟
نعم لكل مكان خصوصيته التى يتميز بها عن غيره، ومصر ليست دولة عادية، فقد حباها الله بنعم كثيرة وهى منذ قديم الأزل معبر لجميع الأجناس وقد استقر فيها الوافدون من كل صوب وحدب على مر الأزمنة، وجنوب مصر الممتد بطول خريطة مصر له عاداته وتقاليده المختلفة، وله مفرداته التى ينفرد بها حتى أنك تجد داخل المحافظة الواحدة العديد من اللهجات المختلفة، إذن فاللهجة الصعيدية تختلف بالقطع عن لهجة الشماليين وعن لهجة البادية، وهناك أيضا بكارة الصورة وخصب المعانى، فالصعيد به من المناظر الطبيعية سواء فى البيئة الزراعية أو الصحراوية أو الساحلية ما يجعل الشاعر يصنع من الحروف التحف الفنية، وفى الجنوب شعراء عامية يصعب على الذاكرة حصرهم، وقد تميز كل منهم عن الآخر بحرفية بناء القصيدة، ورغم كل هذا التباين والتنوع إلا أننا فى النهاية ننصهر فى بوتقة مصرية واحدة.
* لماذا أراك مُقلّا في نشر نصوصك بشكل دوري كعادة معظم المبدعين؟ هل هي صعوبات النشر؟ أم هي القناعة الشخصية؟
ربما هى قناعة الشعراء، وعدم الرضا عن النصوص بعد كتابتها هو العامل الأول فى عدم النشر، فكما تعلم أن الشاعر يكتب قصيدته فتعجبه لبعض الوقت، وبعد ذلك تبدأ حالة الإعجاب فى التراجع، حتى يراها قصيدة عادية لا تستحق النشر فيضعها فى أدراج مكتبه لحين كتابة قصيدة جديدة وهكذا. كما أننى لا أسعى للكتابة، بل أنتظر حتى ترغمنى الفكرة على كتابتها، هي أيضًا مسألة نسبية، فالإبداع يحتاج إلى تفرغ، ونظرًا إلى أعباء الحياة لا يجد الإنسان الوقت للكتابة، بل أحيانًا تمر الأيام دون أن يقرأ صفحة واحدة من كتاب، وربما كانت صعوبات النشر من العوامل أيضًا، فمتى كتب الشاعر قصيدته تمنى أن يراها جميع البشر، فهى رسالته التى منحه الله إياها، وبالرغم من أن قصائدى تُقابل بالترحاب الشديد فى الندوات إلا أنها لا تصل إلى القاعدة العريضة من الجمهور الذى يتعاطى الشعر من خلال الكتب المنشورة أو المجلات المتخصصة، وهنا نجد الصعوبة فى هذا الأمر مع ارتفاع تكلفة الطباعة من ناحية ومحدودية النشر من ناحية أخرى، ناهيك عن الظلم الواقع على الأدباء الموجودين خارج دائرة الاهتمام فى بلادهم البعيدة.
* لأنني لم أستطع الحصول على نسخة من ديوانك الحائز الجائزة، فاسمح لي أن أطلب منك أن تحدثني عنه وعما تمثله جائزة كهذه لك، متمنيًا أن تسامحني على سذاجة هذا الطلب.
سأغتنم الفرصة لأذكر أبنائى أو دواوينى السابقة، فقد صدر لى ديوان "تباريح" عام 1999 ثم ديوان "بالكاف والنون" عام 2002 ثم ديوان "طرح البنات" عام 2011، أما ديوان "كراكيب بدون معنى" فهو ديوانى الرابع، أو قل ابنى الرابع، كتبت قصائده فى الفترة ما بين 2012 حتى 2018 وقد تنوعت أغراضه الشعرية ويضم 37 قصيدة، وقد أهديته إلى زوجتى، ولا يمكن للشاعر أن يتحدث عن ديوانه، أو أن يمدح قصائده، وأتمنى أن يجد القارئ فيه ما يعجبه وأن ينال حظه من الدراسة والنقد من المتخصصين.أما الجائزة فهى مؤشر جيد، فالجائزة المركزية لقصور الثقافة هى من أهم الجوائز الأدبية فى مصر والفوز في مثل هذه المسابقة يغذى حاسة الإبداع وينعشها، ربما تأخذنى إلى حالة كتابة.الجائزة أيًّا ما كانت قيمتها المادية او المعنوية هى حافز يجدد الشعور بالرضا عن النفس وإن كان هذا لبعض الوقت.
* هل ستغير هذه الجائزة شيئًا في خارطة بهاء توفيق الإبداعية والنشرية؟
أحاول أن أستغل شعور الفوز فى استثمار الحالة الإبداعية لاستكمال ديوانى القادم الذى جعلت عنوان "سكر بنات" وهو ديوان يحمل فكرة واحدة، أو حالة شعورية واحدة، وإن كنت أكتبه فى فترات مختلفة، كما أننى على وشك الانتهاء من ديوان "بهائيات" الذى أتمنى أن يرى النور قريبًا.
* في إجابتك عن سؤال سابق ذكرت ظلمًا ما يقع على بعض الجنوبيين مما يجعلني أكرر السؤال نفسه كلما حاورت أديبًا "لا عاصميًّا": هل تشعر بظلم ما وقع عليك نتيجة إقامتك بعيدًا عن العاصمة؟
أحيانًا أشعر بنوع من الظلم، فمنابر الإعلام والصحافة والإذاعة والتليفزيون لا تعطى الأقاليم الاهتمام اللازم، وبرغم وجود السوشيال ميديا وسهولة التعامل معها إلا أن الجمهور الذى يصنع الفقاعات لا يمكن أن نعول عليه كثيرًا فى وصول الكلمة، وبرغم هذا لا أرانى أستطيع العيش فى مفرمة الحياة القاهرية، فإيقاع الحياة هناك يصعب مجاراته، وأعتقد أنه من الضرورى أن يتم الاهتمام بشكل أكبر بأدباء خارج العاصمة من وسائل الإعلام المختلفة، المسموعة والمقروءة والمرئية.
* أيضًا قُل لي كيف يحصل أديب لا يقيم في مركز الأضواء على حقوقه كمن يقيمون فيه؟
هى معادلة صعبة، ولكن ليست مستحيلة، فمبدأ تكافؤ الفرص هو أهم أداة لحصول أى مبدع على حقوقه، وهو فى أى مكان مع الابتعاد عن الشللية وتغليب المصلحة العامة على المصالح الشخصية، ومن ناحية أخرى فالنشر فى المجلات والصحف يخضع فى الكثير من الحالات إلى معرفة الناشر للمبدع وأحيانًا يستسهل نشر أعمال المقربين له دون أن يتعب نفسه فى البحث عن مبدع مغمور يستحق النشر، وأحيانًا لا يتم الالتفات إلى صندوق البريد سواء أكان ورقيًّا أو إلكترونيًّا.
* وأنا أعد أسئلة هذا الحوار، قلت لابنتي "جمان": ما الأسئلة التي يمكن أن أوجهها لشاعر، فقالت لي اسأله: ما الذي جعله يحب الشعر؟ وهل أثر الشعر في حياته؟
أولًا أحيي في جمان حسها الصحفى الجميل، وثانيًا الشعر قبل أى شيء هو موهبة من الخالق البديع، والشاعر دون أن يدرى يجد نفسه فى حِجْر القصيدة منذ طفولته يشب ويكبر وتصاحبه أشعاره فى رحلته يقسو عليها أحيانًا فتجافيه، ويحنو عليها فتعطيه، ومثل هذه العلاقة لها بالتأكيد أثر كبير فى حياتى فقد جعلتنى أميل أحيانًا إلى العزلة التى أجد فيها متعة حين تكتبنى قصيدة.
* أما "رؤى" فطلبت مني أن أسألك عن مصدر إلهامك، وهل تكتب من وحي الخيال؟ أم من واقع تجاربك الحياتية؟
مصدر الإلهام متغير بالنسبة لي، وتستهوينى الفكرة وأنتظر كثيرًا دون أن أتعجل الكتابة.ليست كل القصائد واقعية لذا يكتب الشاعر كثيرًا من وحى الخيال، وربما تغيرت القصيدة فى لحظة ولادتها من خيال لتلقى بظلالها على واقع معاش أو العكس.
* على غير العادة، اسمح لي أن أسألك في نهاية هذا الحوار: من هو بهاء أحمد توفيق؟
هو إنسان يبحث عن السعادة، ويرمى بنفسه فى أحضان الشعر، ولا يملك إلا أوراقه وقلمه وحب المقربين. لا أعرف الكراهية، وأحمل الحب لجميع البشر.