القاهرة 22 سبتمبر 2020 الساعة 10:05 ص
بقلم: أسماء هاشم
لم تعد الدنيا على جناح يمامة، كما أوهمنا وحيد حامد في ثمانينيات القرن العشرين من خلال فيلمه الشهير الذي يحمل نفس العنوان، ربما تنقل حمل الدنيا بين اليمامة والغراب لينتزعها الغراب نهائيا في 2020 ويهبط بها إلى عتمة المجهول.
مع تزايد حالات الاصابة والوفاة بفيروس كورونا وفي ظل العجز الكامل أمام المواجهة أعلنت منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا كجائحة عالمية!
سريعا كانت الأحداث تتلاحق وتطالعنا وسائل التواصل والاتصال المختلفة بكافة الإجراءات الوقائية والاحترازية التي اتخذتها الدول لحماية مواطنيها والذين يحتمون بأرضها. في خلال أسابيع قليلة أغلقت المطارات وشددت الدول على إجراءات منع التنقل خارج البلاد، ومن ثم داخلها. فتعطلت المدارس والجامعات واغلقت المصانع وتوقفت معظم أو كل الأعمال وتعطلت المصالح كليا. كنست كورونا الحياة من تحت السماء وخبأتها خلف جدران البيوت التي شهدت تواجد جميع أفرادها في نفس الحيز المكاني ونفس اللحظة بعدما كانت ظروف العمل قد فرضت ندرة تواجدهم جميعا. خلف الجدران كانت الفرصة مناسبة ليتحول البيت لساحة احتفال مبهج رغم قلق المجهول ومخاطر الوباء، احتفال الأطفال بوجود الأمهات اللاتي غيبتهن ساعات العمل عن أطفالهن ودفء المطابخ التي انبعثت منها روائح شتى الأصناف التي كان لا يتوافر وقت إعدادها في الماضي القريب.
في الشوارع التي كنسها القلق والإجراءات الاحترازية من المارة، وحرمها من صوت كركرة مياه الشيشة وضحكات رواد المقاهي وونسهم الصاخب. الشوارع التي صارت خالية حتى من أربع عجلات لسيارة يتسكع سائقها انتظارا لزبون واحد. الشوارع التي صارت خالية لم تعد مكشوفة على السماء التي نعرفها.. المزينة بالنجوم التي نعرفها. ظللتها الآن سحابة جديدة نقلت لنا ما يجري خلف الجدران المغلقة.
انفتحت نوافذ مواقع التواصل على مصراعيها فأكلنا افتراضيا من طعام الجارة التي جملت طبقها وكتبت على صورته اتفضلوا! كانت السحابة سخية فخلاف أبخرة الطعام الشهي التي توافق شعورنا بها وصورة طبق الجارة، فقد قدمت لنا السحابة أهرام الكيكالمغطى بكريمة الشيكولاتة وشمعة واحدة يتراقص لهبها في قمة الهرم واحتفال محدود بعيد ميلاد أحد أفراد الأسرة. احتفال امتد عبر السحابة الإلكترونية ليشمل الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء أيضا.
حملت لنا السحابة وصفاتفصيليا لحال الأزواج في ساعات الحظر الممتدة كغيمة؛ فرأيناهم يساعدون في تجهيز محشي ورق العنب ورص الأصابع بطريقة هندسية مدهشة وترتيب حبات الباذنجان والفلفل!
حملت السحابة صورة الرجل الواقف أمام مرآة الحمام بنصف وجه مغطى بمعجون الحلاقة! ثم وهو يسلم فروة رأسه لمقص الزوجة تصلح ما أفسده الحظر دون خبرة أو تدريب. مشاهد كوميديا ساخرة تجاورت ومشاهد تراجيديا حزينة لاستغاثات أهل المصابين بالفيروس وصراخهم بحثا عن سرير في مستشفى أو أنبوب أكسجين أو عبوة دواء شحت من الصيدليات. شاهدنا انهيار المنظومة الصحية لعدد من البلدان وبكينا ونحن نشاهد دفن الجثامين دون مشيعين. عشنا حيوات أناس لم نكن نعرفهم ألا حين حملتنا نفس السحابة لفضاء غير الذي كنا نعرفه.
الحياة التي توقفت على الأرض والأعمال التي تعطلت، الجامعات والمدارس التي أغلقت تنفست بالحياة على متن السحابة التي ربطت الجميع، فعاد الطلاب للتواصل مع مؤسساتهم التعليمية و لمتابعة دروسهم ومارس الموظفون أعمالهم وهم على أسرة غرف النوم. مثلما سمعنا استغاثات المرضى وذويهم لم تحرمنا السحابة من همس العاشقين والقلوب التي يتبادلونها في صورة (لاف) على العام أو في انفتاح كاميرات هواتفهم على وجوههم ليطفئ كل منهما لهيب الشوق للآخر..
ضجت السحابة بالحياة التي سكنت على الأرض وارتفعت لتحمل الجميع بعيدا جدا.