القاهرة 04 اغسطس 2020 الساعة 11:12 ص
حوار: صلاح صيام
داخل كل مبدع رحلة قطعها –بحلوها ومرها- ليصل إلى المتلقي الذي غالبا لا يعرف عن هذا المبدع شيئا إلا ما يصل إليه من إنتاجه الإبداعي. وفى هذه السلسة نرصد حياة المبدعين، ونخوض فى أعماقهم علنا نقدم للأجيال الحالية، التى فقدت البوصلة, وأصابها شيء من الإحباط.. صور مشرقة تعينهم على تحمل متاعب الحياة، وتكون نبراسا لهم فى قادمهم..
واليوم نستكمل لقاءنا مع الكاتبة والمبدعة الجزائرية صورية حمدوش:
اقترحت الوالدة على أبي أن يقدم رسالة للحصول على معاشه من وزارة المجاهدين، لكن هذه المعاملات يلزمها أوراقا وإثباتات التي بدورها يلزمها مالا، فباعت جزءا من مصوغاتها.. وبعد شهور أتى الفرج فكان نصيبي ماكينة خياطة فصرت أملأ فراغي بتصميم الأزياء والرسم على القماش إما بالطرز أو الرسم على الحرير الذي طورته للرسم على نوع من القطيفة، لكن كل هذا لم يملأ كل فجوات الروح التي ظننتها استسلمت للواقع وفي سنة 2003 إلى2005 فتح معهد الولاية فرع الإعلام الآلي بولايتي.. وحتى يكتمل القسم بعثت لي جارة وفتحت الموضوع معي ابنة أخي الكبرى فسمعت الحديث والدتي فوعدتني بالبقاء بالفراش طوال فترة الصبيحة حتى أعود على الغداء الذي كنت أجهزه صباحا قبل المغادرة.. والفترة المسائية كانت ساعة ونصف للدروس التطبيقية أو ساعتين لغات أجنبية.. أكملت الدراسة بسلام، وفي 2006 ساءت حالة والدتي وصارت لا تغادر الفراش إلا نادرا، مما جعلني أبتعد عن شغفي لممارسة هذه الأشغال جزئيا، وفي سنة 2007 تركتها نهائيا بعد وفاة الوالدة فلم أجد سوى مجالس حفظ القرآن دواء لروحي، خاصة أن الجزائر بدأت تتعافى وسمحوا لهذه المدارس أن تفتح بعد تعهد عند الشرطة بعدم ولوج الأساليب الدعوية المغلوطة التي نخرت البلد.. حصلت على الإجازة الأولى بالأحكام وحفظ الأربعة أحزاب الأخيرة ترتيلا.. ولأنها المدرسة الوحيدة بولايتي التي تعتبر فرعا من مدرسة الأمير عبد القادر بولاية قسنطينة عاصمة الشرق الجزائري، التحقت بها بعد حفظي للبقرة لدراسة التفسير على يد مدير المدرسة الدكتور محمد بوركاب صاحب القراءات العشر، وبسنة 2008 تزوج الوالد ووجدت نفسي وحيدة وتضحياتي كانت بلا معنى بل صارت وبالا عليّ، فكان لزاما عليّ التنقيب عن عمل، والذي يشبه البحث عن إبرة في كومة قش بل وقد يشبه المستحيل بعد أن فرضت الدولة شروطا تعسفية، لا تقدم العقود إلا لشباب ما دون الخامسة والثلاثين، وماذا عني و أمثالي ممن يشارفون على الأربعين، وفي سنة2011 جاء الفرج وحصلت على عقد عمل مؤقت بمستشفى بلديتي كانت حياتي محصورة في العمل وحفظ القرآن واكتشاف أسراره، حياة زاهدة بالحياة حتى إن الكتب التي أقرؤها كلها لها علاقة بالموت والموتى وحياتهم ما بعد الموت وعلاقتهم بالأحياء..
وفي سنة 2012 وبعد سلسلة من الحروب والدسائس التي كانت تختلقها زوجة الوالد من اللاشىء والتي ما كنت أفقه سببها.. ذات صباح كعادتي صليت الفجر تلوت وردي وتوجهت للمطبخ جهزت فطور العائلة تناولت فطوري وغيرت ملابسي وأنا أفتح باب الدار للتوجه للعمل نزل وابل من الكلام الفاحش على سمعي، فما كان مني إلا أن خرجت في صمت وقلبي ينزف دما.. واصلت سيري كان كل شيء بي ينزف.. وصلت إلى مكتب القبول بالمستشفى فتحت الباب وولجت إلى الداخل، ثم استسلمت للبكاء.. دخلت زميلتاي سليمة وياسمينة وبدأت ياسمينة بسؤالي واستنطاقي؛ لكن سليمة نهرتها دعيها وشأنها ستخبرنا عندما تهدأ، لنقوم بالعمل مع أصحاب التحاليل فحالتها لا تسمح بالعمل، وبعد ما يقرب من الساعتين هدأت و أخبرتهم بكل الكلمات البذيئة التي تلتها عليّ زوجة الوالد كتعويذة صباحية لعلها تنفع هذه المرة ولا أعود إلى البيت، فيخلو لها المكان وتأتي بولدها من زوجها الأول فهذا هو الهدف الذي عرفته بعد ذلك بتشريفه للبيت، وصار البيت أنكى بمؤامرتها التي لا تنتهي ووالله لو استعملتها بعاطفة من الحب لكان بيتنا جنة صغيرة.
وبعد أربع سنوات من العمل بالمستشفى انتهت عقود البعض وتحصل بعض الشباب على مناصب دائمة في أماكن أخرى، أصدر مدير الصحة الجوارية بالولاية قرارا مجحفا بحقنا، حيث فرض علينا العمل بالمداومة الليلية فقدمت شكوى للسكرتير العام لرئيس البلدية، بما أن عقد عملي موقع من هناك فبعث مراسلة خاصة مفادها عدم تكليفنا بالعمل بالعطل الأسبوعية والأعياد، فما بالك بالمداومة الليلية.. وقد عملت وكل زملائي بالعمل والأعياد دون أن نشتكي. فعن نفسي كان العمل بالأعياد أفضل بكثير من بقائي بالبيت واستسلامي لحزني الذي لم ينقطع على والدتى، لكن مدير الصحة الجوارية لم يقبل بالمراسلة وطلب من الإدارة إعلامنا بالقرار، وكانت تلك المداومات الليلية موزعة على الشهر عمل البعض مع الامتعاض؛ لكني اعترضت وطلبت من زميلاتي أن نجتمع ليوم الإثنين وهو اليوم المخصص للمقابلات، وذهبنا في مجموعة مكونة من سبع موظفات.. وعندما أذن لنا بالدخول كنت آخر واحدة ولجت إلى مكتب المدير.
فماذا حدث؟ هذا ما سنعرفه فى الحلقة القادمة إن شاء الله