القاهرة 02 يونيو 2020 الساعة 12:05 م
بقلم: زينب محمد عبد الرحيم
يُعد الباحث الروسي يوري سوكولوف، من أوائل الذين انتبهوا إلى أهمية الثقافة الشعبية بالنسبة لأي شعب من الشعوب، فالفولكلور هو الذخيرة الحية والعُملة الحقيقية المتداولة في الحياة اليومية بين البشر. وقد نجح سوكولوف ومعه جيل من العلماء في تأسيس علم كامل وهو ما نسميه بعلم الفولكلور، واستطاعوا أن يدرسوا ويفهموا الإنسان بوصفه اللبنة الأساسية في هذا الكون. وكانت أعمال يوري سوكولوف من أهم الأعمال في علم الفولكلور وخصوصا كتابه (الفولكلور قضاياه وتاريخه) وقد قام بترجمة هذا العمل الأستاذ حلمي شعراوي والأستاذ عبد الحميد حواس وقام الدكتور عبد الحميد يونس بمراجعة هذه الترجمة. وكتاب يوري سوكولوف (الفولكلور تاريخه وقضاياه) نشر في أصلهِ الروسي عام 1941-1950 وترجم إلى العربية عام 1971.
إنَّ الفولكلور صدى الماضي، ولكنه في نفس الوقت صوت الحاضر المدوي
لقد كان الفولكلور وسيظل انعكاسًا للصراع الطبقي وسلاحًا له، وبالتالي فإنه لا يتميز في طبيعته بأي حال عن الأدب الفني من حيث وظيفته الاجتماعية كانعكاس وسلاح للصراع الطبقي. ارتبط ذلك بالبحوث التي تُعالج الإبداع الشعبي وفي الدراسات الفولكلورية السوفيتية والتي أدت تدريجيًا إلى سيادة النظرية الماركسية – اللينينية ومنهجها وسيادة الأسس العامة للمادية الجدلية وتطبيقها على دراسة المادة الفولكلورية.
ولابد لنا من أن نسنفيد من الآراء التي قدمها ماركس وإنجلز ولينين وأيضًا بلافارج الذي ترك فيما كتبه عن الأدب الماركسي أحكامًا صائبة تتعلق بالفولكلور. وقد أظهرّ ماركس اهتمامًا خاصًا بالملحمة اليونانية ويعتبر ما جاء حولها من تعليقات في كتابه (نقد الاقتصاد السياسي) ذا أهمية فائقة للفولكلوريين، فقد أثار ماركس في هذا الكتاب مسألة من أكثر المسائل أهمية عن (عدم الاتساق في تطور أشكال الثقافة) ويشير إلى أنه: حيث تكون المقدرة الإنتاجية متخلفة جدًا، وعلاقات الإنتاج على درجة غير كافية من التطور، قد تنمو أحيانًا أبنية فوقية ثقافية من الثراء و القوة إلى حد أنها تمد تأثيرها إلى العصور التالية من تطور المجتمع.
بالنسبة للفن.. من المعروف أنّ المراحل المُحددة لتطوراتهِ الكُبرى لا ترتبط بالتطور العام للمجتمع، وبالتالي لا ترتبط بتطور الأسس المادية له والتي تُكون هيكل تنظيمه. ويستطرد ماركس: ‘‘بالنسبة للأشكال الفنية المتعددة كالملحمة، فمن المعروف أنها حتى في شكلها الكلاسيكي (مشكلة مرحلة في تاريخ العالم) كان يمكن ألا توجد إطلاقًا، طالما أن الإنتاج الفني قد بدأ تلك البداية، ذلك أنه بهذه الطريقة وفي ميدان الأدب نفسه يمكن أن توجد تلك الأشكال الخاصة ذات الأهمية العالية في مرحلة متخلفة نسبيًا من التطور الفني‘ ‘(كارل ماركس، مقدمة في نقد الاقتصاد السياسي المؤلفات الكاملة، معهد ماركس وانجلز ولينين، مطبعة الحزب عام 1933 مجلد 12 ,ج1 ص:20 )
يؤكد ماركس التناقض بين الفن الرفيع في عصر معين وبين المستوى الأدنى نسبيًا للتطور الاجتماعي في ذلك العصر، ويشرح ماركس هذه التناقضات قائلًا: ‘‘إذا كان هذا التناقض يحدث في ميدان الفن وفي العلاقات بين أشكاله بعضها مع بعض الآخر، فإنه لا يدهشنا كثيرًا أن يحدث ذلك في العلاقة بين مجال الفن الكلي وبين التطور الاجتماعي العام. وترجع الصعوبة إلى الشكل العام لهذه المتناقضات فحسب ويلزمنا فقط عزل كل منها لتفسيره ولنأخذ مثلًا علاقة الفن اليوناني ومن بعده فن شكسبير بما كان يعاصره.. فمن المعروف جيدًا أن الميثولوجيا اليونانية لم تكن مخزن الفن اليوناني فحسب، وإنما كانت هي التربة التي نما عليها أيضًا فهل من الممكن أن يوجد الاتجاه نحو الطبيعة والعلاقات الاجتماعية التي تعتبر أساسًا للخيال اليوناني، وبالتالي الفن اليوناني هل كان من الممكن أن يوجد كل ذلك مع وجود الآلات الميكانيكية أو السكك الحديدية والقطارات والتلغراف الكهربي ؟ ماذا كان يمكن أن يصنع فولكان (إله النار) مع روبرت وشركاه. إنّ الميثولوجيا تقهر وتسود وتشكل قوى الطبيعة خياليًا أو بمساعدة الخيال وهى بالتالي تختفي بالسيادة الحقيقية على هذه القوى الطبيعية ‘‘ (المصدر السابق نفسه).
وقد عرف علم التاريخ الماركسي أن يُقِيم الظواهر الأيديلوجية على علاقات اجتماعية اقتصادية محددة، ولكن دارسي تاريخ الفن من الماركسيين مازالوا يواجهون مشكلة تفسير: لماذا يظل الإنتاج الشعري الذي خُلقَ تحت ظروف معينة يبعث المتعة الفنية على مجرى قرون عديدة وفي بيئات اجتماعية وثقافية مختلفة تمامًا؟
ويُفسر ماركس المتعة التي لا تنقص والتي تحتويها الملحمة اليونانية القديمة ويقول: لا يستطيع المرء أن يرتد طفلًا ولكن يشعر بالبهجة من سذاجة الطفولة، ألا يضطر هو نفسه للجهاد نحو أن يبعث طبيعته الأصلية على مستوى أعلى؟ فلماذا لا يكون لطفولة المجتمع الإنساني حيث كانت في أجمل مراحل نموها من السحر الخالد أن تؤثر علينا باعتبارها مرحلة لن تتكرر.. ومن الأطفال من لم يتعلم، ومنهم من له حكمة الشيوخ.
وكثير من الشعوب القديمة تنتمي إلى الفئة الأخيرة. وقد كان لماركس وإنجلز اهتمامًا منذ سنواتهما الأولى المبكرة بما أبدعته المراحل الأولى للتطور البشري وعلى التخصيص كان اهتمامًا بمختلف أشكال الفولكلور التقليدي.. وقد كان لأنجلز مناقشة في مقالاته حول الكتابات الأدبية الفولكلورية وأكد أنه قد يكون لها تأثير سياسي ولما لها من أهمية دعائية في الصراع من أجل الحرية ضد النبلاء والكنيسة وقد كتب انجلز في شبابه: أنْ للكتاب الشعبي دوره في تسلية الفلاح حين يكون متعبًا أو حين يعود مساءً من عمله اليومي الشاق فإنه يتلهىّ به ويبتهج له؛ مما يجعله ينسى متاعبه المثقلة ويحول صخور حقله إلى حديقة ذات أريج، وللكتاب الشعبي دور في أن يجمع بين المضمون الشعري الفني و النقاء الخلقي
ولابد أن يكون الكتاب الشعبي متجاوبًا مع عصره ويعزز الصراع من أجل الحرية ومقاومة ظلم الأرستقراطية والكفاح والوضوح العقلي ضد التزمت الديني، فقد أخد انجلز في اعتباره الوظيفة الاجتماعية السياسية للكتاب الشعبي في عصرنا الحديث. ويعلن انجلز بجرأة ضرورة الفحص النقدي للكتب الشعبية فيقول إن هذه الكتب بحاجة إلى مراجعة ذكية وأشاد بأعمال الأخوين جريم، ولكنه أكد أن ليست كل الأعمال ومحاولات جمع المادة الشعبية ستكون بنفس الدقة والدافع، فلذلك وجب الفرز واستبعاد الأعمال الأقل جودة. وإجمالًا يمكننا أن نلخص وجهة نظر إنجلز أنه ميز بين وجهين للفولكلور: قيمته الفنية وأثره السياسي التربوي، أي الوظيفة الاجتماعية السياسية، كما أكد أكثر من مره على قيمة الفهم التاريخي لنتاج الفولكلور.
ولمؤلفات لافارج la fargue أحد الماركسيين الأوائل ومن الذين أكدوا بقوة وإصرار على الأهمية التاريخية للأغاني الشعبية. وقد خص مجال الفولكلور ببحث عن (أغاني وعادات الزواج الشعبية) 1886. ولمؤلفاته أهمية منهجية بالغة، فالأغنية الشعبية بوجه عام تحمل طابعًا محليًا وأحيانًا يأتيها الموضوع من الخارج ولكنه يكون مقبولًا في حالة توافقه مع روح وعادات هؤلاء الذين يقبلونه. وقد رأينا بين شعوب متباعدة ومختلفة أغان وحكايات أسطورية وعادات متشابهة. ويظن الباحثون أن هذه الأشياء قد انتقلت من شعب إلى آخر أو أنها كانت جزءًا من مقومات تراثهم الروحي. وعلى هذا النحو من التشابه نجده في الأغاني وأمثال وعادات متشابهة. وقد نشأ الشعر الشعبي نتاج الجماهير ومن نفس أسلوب حياة الشعب؛ إذ يغني الناس أغانيهم بتأثير الانطباع المباشر لخبراتهم الانفعالية ونتيجة لدقة وصدق الأدب الشفاهي أصبحت له قيمة تاريخية كبيرة تفوق قيمة أي انتاج فردي منعزل ولهذا يمكن أن يستفيد أي إنسان منه عن ثقة دون أن يخشى تضليلًا.
ويقول لينين إنه يجب على علماء الفولكلور أن يعمموا ظواهر الفولكلور وأن يقوموا بتعزيزه من وجهة النظر السياسية الاجتماعية وعليهم أن يكتشفوا في الفولكلور تاريخ آمال الجماهير العاملة وأمانيهم في الماضي، وأن يتفهموا الفولكلور كمادة مهمة لدراسة سيكولوجة وأيديلوجية الجماهير في الوقت الحاضر، وكان شغف لينين بالفولكلور لأنه سجل تاريخي وشيء ضروري للعمل السياسي والاجتماعي في العصر الحاضر وأن من المهام الرئيسية للدراسات الفولكلورية أن تدرس آمال وتطلعات الجماهير , فالفولكلور يعتبر ميدانًا للصراع ليس فقد حول التفسيرات المتضاربة، وإنما كذلك بين الطبقات التي استولت على تراث العمال فلقد استولى كبار المزارعين أو صغار البورجوازيين على تراث الشعب وهي عملية نفسر من خلالها ظهور أنواع متشابهة من التراث بين طبقات اجتماعية مختلفة وبناء على ذلك يجب ألا تترك الملاحم الشعبية والأساطير والحكايات الشعبية والأهازيج أو الأغاني القصيرة والبكائيات لتتجول على غير هدى بين الجماهير، وإنما ينبغي أن تجمع وتؤلف طبقًا لتوجيه مناسب، ثم تُنقى وتوزع بين العمال عن طريق كل الوسائل المتاحة إذاعة، سينما، مسرح.. إلخ.
المصادر :
1. يوري سوكولوف, الفولكلور قضاياه وتاريخه , ترجمة حلمي شعراوي , عبد الحميد حوّاس ,مكتبة الدراسات الشعبية , الطبعة الثانية 2000
2. محمد الجوهري ,علم الفولكلور المجلد الأول الأسس النظرية والمنهجية , مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية ,القاهرة 2010
3. كارل ماركس , مقدمة في نقد الاقتصاد السياسي المؤلفات الكاملة ,معهد ماركس وانجلز ولينين ,عام 1933 مجلد 12 ,ج1 ص:20