القاهرة 21 مايو 2020 الساعة 12:43 ص
كتب: محمد علي
عادةً ما تخلق الأعمال الفنية التي تتخذ من السيرة الذاتية موضوعًا لحبكتها الدرامية جدلًا واسعًا يبدأ منذ أن يشرع صناع العمل في التحضير له ومن ثم التصوير، وتدور الموضوعات الجدلية تلك دائمًا حول أهمية الشخص صاحب السيرة الذاتية التي سوف يناقشها العمل، الممثل الذي سوف يقوم بالدور، الحقوق الأدبية لعائلة الشخص ذلك وكل من سوف يظهر معه وهو له أصل في الواقع، كاتب العمل والمرجعية الخاص به وهل تضمن له ألا يكون متحيز، وكذلك مخرج العمل ومنتجة معه..
إشكاليات عدة لا تحصى يتعرض لها صُناع تلك الأعمال لكنها في الأغلب لا تقف حائلًا أمامهم والأهم دائمًا هو أن يخرج العمل للنور حتى يتسنى للجمهور مشاهدته والتفاعل معه. وارشيف الدراما المصرية ثري بهذه النوعية والتي دائمًا ما تحقق نجاحًا باهر كما هو الحال في مسلسل "رأفت الهجان"، "السقوط في بئر سبع"، "دموع في عيون وقحة"، و"الحفار"، و"الثعلب" وغيرهم.
تغير الوضع كثيرًا الآن فلم تعد السيرة الذاتية تقتصر على ملفات الجواسيس، فالعدو تغير وبات مغاير لما كنا نعرف، فظاهرة الإرهاب التي تضرب الوطن بشدة منذ سقوط جماعة الإخوان المسلمين عام 2013 جعلتنا نتعرف على بعض القصص المثيرة والواقعية لجنود وضباط الجيش المصري الذين يتصدون لتلك الجماعات المسلحة والتي تتخذ من الإسلام ذريعة لها، فلم يعد بطل السيرة الذاتية الدرامية كما كان يظهر في هيئة مواطن عادي يتم تجنيده من قَبل المخابرات ونعيش معه الرحلة التي يخدم فيها الوطن من أرض العدو.
ويتناول مسلسل "الاختيار" السيرة الذاتية لبطل من أبطال القوات المسلحة والملقب بوحش سيناء وهو
الشهيد "أحمد المنسي" وكذلك حياة الإرهابي "هشام عشماوي"، ومنذ عرض الحلقة الأولى من المسلسل نشب الجدل والاختلاف بدايةً من الاعتراض على الطريقة التي تُعرض بها الشخصيات، مرورًا بالاتهامات التي يتعرض لها المسلسل على أنه يصور الإسلاميين من أصحاب اللحية والمنتقبات على إنهم جميعًا يمثلون صورة نمطية للفكر الإرهابي، وكذلك من يعترضون على المثالية الزائدة التي يحاول صُناع المسلسل أن يظهران بها صاحب السيرة "احمد المنسي"، ولن نتطرق هنا لهذه الإشكاليات وإنما سوف نستعرض في هذا التقرير ومن خلال سطور قليلة، نقاط القوة والضعف لكل من مخرج العمل "بيتر ميمي" والمؤلف السيناريست "باهر دويدار".
• خيال جيد وخطابة زائدة :
من الأكيد أن للكاتب دويدار خيال جيد وأنه سوف يكون له شأن كبير داخل الوسط الفني في المستقبل القريب، فهو قادر على أن ينسج الواقع بالخيال في قالب سردي بسيط لا يغلبه التعقيد، غير أنه قادر أن يمسك بوحدة البناء الدرامي لكل حلقة وأن يقدم دائمًا التفسير بشكل سريع دون أن يسطح الموضوع أو يستخف بعقل المشاهد، فالحلقات الأولى من المسلسل والتي تظهر خلالها عدة شخصيات لمرة واحدة ومن ثم تموت بعدها في ختام الحلقة في إحدى الحوادث الإرهابية قد تمت كتابتها بشكل متقن وتم توظيفها دراميًا بشكل أكثر من رائع، حتى أنها باتت مادة يتناولها البعض على السوشيال ميديا مما يبرهن على تعاطفهم معها أو على الأقل تأثرهم بأسلوب هذه الشخصيات والذي يكون السيناريست هو صاحب الفضل الأول في ذلك.
غالبا ما يقيد العمل المستوحى من قصة حقيقية الكاتب بالمواد التوثيقية سواء الروائية أو التسجيلية التي قد تساهم في أن يعي الشخصيات والاماكن والأحداث التي هو بصدد كتابة سيناريو وحوار عنهم، وربما بسبب أن الموضوع قريب بشكل عميق من القوات المسلحة والتي تعاونت بشكل كبير وراق إلا أن خطورة الموضوع قد تكون جعلتها تخفي بعض المواد عن الظهور مما قد تسبب في رتابة النص الكتابي في مشاهد عديدة، واللجوء لمشاهد خطابية تكاد تكون مكررة في كل حلقة، ولنفس الأسباب ظهرت الشخصيات على أنها أحادية الاتجاه؛ فيظهر الجانب السيئ والقبيح لهشام عشماوي دون غيره، كما تظهر الجوانب المثالية الزائدة في شخصية منسي دون التطرق لجوانب حياتية خاصة كانت من الممكن أن تفيد العمل وتضيف له بعد إنساني مغاير لما هو سائد طوال الحلقات التي تم عرضها حتى الآن.
• إخراج مغاير لما عُرف به بيتر ميمي:
والحقيقة أن الأسلوب الذي قد اتبعه ميمي في تصوير المسلسل يختلف بشكل كبير عن الانتاجات السابقة له، فأخيرًا يستغنى عن استخدام كاميرا الدرون في كل لقطة ومشهد يتم تصويرهم، ويعتمد على تكوينات متوسطة وقريبة كفاية يحاول من خلالها أن يدخلنا من خلالها في قلب الحكاية الذاتية للشخصيات.
كما أنه يستغنى أخيرًا عن تصوير مشاهد التفجيرات والمعارك ويهتم بعنصر المكان بكونه شريك فعال في نقل ووصف الصورة للمُشاهد العادي، وأكثر ما ميز ميمي حتى الآن هو استخدامه لأسلوب الدمج فيما بين المواد الأرشيفية والتسجيلية وما هو درامي، والذي تم تصويرة بشكل ربما يكون واقعي زيادة عن اللزوم الأمر الذي يعبر عن مجهود ضخم قد تم بذله من أجل إخراج صورة بها كل تلك الاحترافية.
وفي النهاية يجب أن ننوه عن وعي صُناع العمل بضرورة وأهمية أن تكون الموسيقى التصويرية المصاحبة لشريط الصوت على قدر كبير من الاحتراف؛ حتى لا تخل بالجو العام الذي يهدف أن يخلقه العمل، حتى أن المؤلف الموسيقي تامر كروان قد برع لحد عظيم في تأليف المقطوعة الخاصة بالعمل.
لم تنته المناقشة بعد، ونعتبر أن هذا التقرير يمثل وجهة نظر مبدئية نرغب من خلالها أن نشارككم في العمل الأكثر إثارة للجدل هذا العام "الاختيار".