القاهرة 21 ابريل 2020 الساعة 12:56 م
حاورته: زينب عيسى
* الكاتب شاهد عيان على الأحداث لكنه لا يقرر من ينتصر الوباء أم الإنسان
* إيبولا 76 رصدت واقع انساني ممزوجا بألم تجربة الإصابة بالوباء
* صراع الإنسان مع الاوبئة قديم والكتابات عنه خرجت متشائمة
رغم كونه روائيا معروفا ونال العديد من الجوائز العالمية عن أعماله الأدبية ، بيد أنه لايعتبر مهنة الكتابة مصدر رزقه وإن كانت مصدر إلهامه،ربما لايعرف الكثيرون أن امير تاج السر الكاتب السوداني الكبير صاحب البصمة المميزة في الحركة الأدبية العربية والذي ترجمت رواياته الي عدة لغات اجنبية هو ذاته الطبيب الباطني الذي يتنقل حاليا بين المرضي العاديين والمصابين بالكورونا أيضا ، لايشغله سوي ما يشغل العالم أجمع ذلك الفيروس مجهول العلاج كورونا..انقطع عن الكتابة حتي يتفرغ لمهمته الإنسانية في إنقاذ المرضي من ذلك الفيروس المباغت ،فلايوجد مزاج لأي نشاط إبداعي علي حد قوله.
حين حادثته علي صفحته علي موقع" الفيس بوك "وهو صديق لي دار بيننا حديث متشعب فرضته علينا الظروف الإستثنائية التي يمر بها العالم أجمع والتي يقفز فيها دور الطبيب علي ما سواه من المهن ،ولأنه روائي ماهر وينتمي في الأصل الي السودان التي هي جزء أصيل من القارة الإفريقية يحن "تاج السر" في كتاباته الروائية دائما الي طبيعة تلك القارة وجغرافيتها وبيئتها التي تضم الي جانب خيراتها وجمال وروعة طبيعتها الكثير من المخاطر البيئية والبيولوجية مثل الأوبئة والفيروسات التي لم ولن يكون كورونا آخرها فقد ضرب مصر وإفريقيه الطاعون الأسود في بداية القرن الماضي وقضت الكوليرا علي عشرات الآف من المصريين ، ومرورا بكثير من الأمراض الفتاكة والأوبئة جاءت الايبولا التي تعرف عليه العالم عام 1976 في منطقة قريبة من جمهورية الكونغو الديمقراطية ومنطقة نائية بجنوب السودان وعادت مرة أخري منذ سنوات ليست ببعيده لتفتك بآلاف البشر.
مناسبة الحديث عن فيروس " كورونا" مع الروائي امير تاج السر تعود إلي أن له رواية بعنوان"ايبولا 76" وصدرت عام 2012 وترجمت لعدة لغات منها الانجليزية والفرنسية والاسبانية وهي تشبه ما نعيشه اليوم في ظل إنتشار فيروس كوفيد 19 علي حد قوله وتدور أحداثها فى عام 1976 وهو أول ظهور للمرض بين دولة الكونغو وجنوب السودان، وتتحدث عن انتشار مرض الحمى النزيفية الذى يسببه فيروس إيبولا، وفيها الكثير من اللوحات الإنسانية، وصورت حالات المرض بذلك الفيروس، وماذا حدث بعد انتشاره.
ففي مقطع من روايته "ايبولا 76" يقول الروائي والطبيب امير تاج السر:إ ستطاعت اشتينا ازيجوري أن تبلغ الغرفة الصغيرة التي حجز فيها زوجها وسمح لها ان تري جزءا صغيرا من إعيائه لإن الطبيبين كانا يغطيان اعيائه بجسديهما الفارع ، وفوجئت أنها تري لويس آخر غير زوجها حتي وهو يهجرها عاطفيا ،وحين إبتعد أحد الطبيبين حتي ليريح عينيه من منظر المأساة أو يحضر شيئا مهما من احد الرفوف الجانبية إستطاعت ان تشاهد نصف الإعياء وأيقنت لحظتها انها غدت أرملة.
هكذا وصف امير تاج السر أثر الوباء علي الانسان في روايته التي تعتبر من الأعمال العالمية والعربية التي تناولت الأوبئة مثل" الطاعون " لألبير كامي، و"العمي" لسيراماجو، و"عيون الظلام" لدين كونتز ، و"حرب الكلب الثانية" لابراهيم نصر الله..
والسؤال هل اكتفي الروائيون بما شاهدوه أم خلقوا أبعادا جديدة وفق رؤيتهم، وكيف قدم الأدب صراع الإنسان مع الأوبئة، وهل كان الروائيون متنبئين بصراع الأوبئة مع البشر ام رصدوا واقعا حدث فقط؟
يجيب امير تاج السر :الكاتب في رأيي ليس من يقرر انتصار الوباء أو الإنسان، نعم يوجد صراع بين الإنسان وقوى الشر التي تتربص به ومن ضمنها الأمراض والأوبئة، الكاتب يصور الأحداث بحسب رؤيته وقد تكون رؤية شديدة الكآبة أو شديدة الإشراق حسب معطيات الوباء الذي كتب عنه. في روايتي إيبولا 76، كتبت عن الهبة الأولى لفيروس إيبولا الذي يسبب الحمى النزيفية، والذي ظهر في جمهورية الكونغو عام 1976، وانتقل إلى جنوب السودان بواسطة عامل نسيج. وحقيقة كتبت بحبر إنساني غزير مشاهد عن الموت والدمار الذي حدث للناس وأعمالهم وثقافتهم وتعليمهم وحاول الموسيقيون إطلاق مبادرة محاربة الرعب بالفن، ولم تنجح كان الرعب كبيرا، وانتهت الرواية بانمحاء كل رؤية واضحة للمستقبل، واحتمالات شتى أن يعود المرض مرة أخرى في هبة جديدة، وقد حدث ذلك بالفعل في 2014، الآن رؤيتي نفسها تعاد في كورونا، ولو كتبت رواية في هذا الصدد، لن أضيف سوى تغيرات البيئات والتكنولوجيا والتقدم الحضاري المذهل الذي يقوض الفيروس عرشه .
ما الذي جذبك إلى الكتابة عن موضوع الأوبئة كما حدث في روايتك " ايبولا76" ؟
لاانكر ابدا أن عملي كطبيب قد أثر في وانا اكتب وهو أمر طبيعي فانا ملم بالأمراض وعندما يحصل وباء يغريني الأمر ان اكتب عنه ،لكن ليس بالضرورة دائما أن اكتب عنها، وحدث ان عاصرت فترات ظهرت فيها أوبئة ولم اكتب عنها ، والطبيب بوجه عام يكتب من خلال مشاهداته اليومية والأخبار وتجربته مع الأمراض وخبرته أيضا ،وسوف تشاهدين أن كثير من الكتابات ستظهر مواكبة لفيروس كورونا او كوفيد19
هل يمكن إعتبار الروائيين شهود عيان علي صراع الإنسان مع الأوبئة ؟
بالطبع الروائي عين ثاقبة غير الشخص العادي فالكاتب يختلف عن الإنسان العادي الي يممكن أن يصاب بالهلع لكن الروائي يحتفظ بتفاصيل أخري تساعده عليها مخيلته الواسعه التي تحكي الحدث وتبلوره من خلال قصة ربما لم تحدث في الواقع بشكل كامل.
وما مدي مساحة الخيال نسبة إلي الواقع حين كتبت روايتك ايبولا 76؟
حين كتبت عن ايبولا استمديت شخصية البطل من شخص كان شاهدا وهو الناجي الوحيد من الايبولا في مستشفي الانذار علي الحدود السودانية مع الكونغو وكان الوحيد الذي نجا من الطاقم الطبي ، فطورت الواقع وأضفت من خيالي، فقصة لويس البطل في الرواية ليست التي حدثت بالتاكيد لكن أخدت الشكل العام وصغت الحدث الحقيقي الذي كان موجودا وهو فيروس الايبولا وضفرت الاحداث ببعضها واصفا الشوارع والطفرات الاجتماعية وهكذا.
في نظرك ما الذي يشغل الروائي في مسالة مواجهة الموت بالعدوي هل هو جانب انساني أم فلسفي أو إجتماعي؟
كل كاتب يركز في فكرة معينة فعلي سبيل المثال رواية الحب في زمن الكويرا ماركيز ركز علي قصة الحب التي دامت خمسين عاما والكوليرا جاءت علي خلفية الاحداث ، اما البيرت كامي تحدث عن الشكل الفلسفي للقصه وقد كتبت انا ايبولا 76 بشكل مختلف ينزع الي مستقبل جديد.
لو كتبت عن كورونا هل ستكتبها مثلما كتبت ايبولا 76؟
الوضع الآن مختلف نحن اليوم في زمن السوشيال ميديا أما رواية ايبولا رجعت بها الي عام 1976 وقت الهبة الثانية لايبولا وكتبتها عام 2012 كل الناس تعرف كورونا ، الآن ليس هناك مساحه للخيال ابدا وصعب ان اكتب عن كورونا حتي الشخص العادي يعلم كل شئ عن كورونا فلا مساحة لاضافة خيال هنا مثلما فعلت في رواية ايبولا 76، الان الرواية التي قد تكتب عن كورونا ستتحدث عن مابعد كورونا .
كيف يواجه أبطال الروايات المكتوبة للاوبئة آثار الوباء سواء الذين اصيبوا به او الناجون؟
رجال الدين في رواية الطاعون كانوا يبثون الطمانينة في نفوس الناس بينما الاطباء يتحدثون بالعلم من ناحية اخري ، ورواية ايبولا كان البطل لايعي شيئا لانه من خصائص ايبولا ان يشفي منها او يعفو مثلما قررت في الرواية.
هل تتسم الروايات التي تتناول الاوبئة بالتشاؤم ام ان هناك روايات تتناول الجانب المضيئ ؟
في الغالب تتسم تلك الروايات بحالة من التشاؤم ومن ناحية اخري تتجه الامور في الرواية وفق المعطيات ،فمثلا في رواية الحب في زمن الكوليرا رغم كل الجثث التي رميت في النهر المهم فيها كان أن تتوج قصة الحب بين زوجة الطيب وفيرنادو داسا ، وابراهيم نصر الله في روايته تنبأ بحدوث خراب ، وروايتي ايبولا 76 انتهت بالناس جالسين في اللامكان يبحثون عن مدينة جديدة وكنت محايدا.
ما الذي اضافه امير تاج السر الطبيب الي رواية ايبولا 76؟
الاعراض وصفتها بدقة والمضاعفات والعلاج، فيما عدا ذلك لغة الرواية أدبية بحته ووظفت الخيال في كل الرواية.
الحديث مع الطبيب الباطني امير تاج السر يحتم علينا سؤاله عن فيروس كورونا وما هي التدابير التي يجب ان يتخذها الشخص لتامين نفسه ضد الإصابة بالفيروس ؟
ما لم يتم اكتشاف لقاح أو علاج سيظل الفيروس موجودا لكن تقليل الحركة والتباعد الإجتماعي والمكوث في البيت وعدم الخروج إلا للضرورة يحد من الانتشار ،و يكفي غسل اليدين والوجه جيدا وترك الأحذية خارج البيت ونقل الأغراض من الأكياس بدون ادخال الأكياس للبيت، هذا بالإضافة إلي أهمية إرتداء الكمامة والجوانتي والتطهير المستمر للأيدي وهو ما الجأ اليه طوال الوقت انا أيضا بحكم عملي داخل المستشفي وهو ما يفرض علي أن اكون حريصا بقدر الإمكان في التعامل مع الآخرين بل أفترض أن كل من حولي حامل للعدوي بما فيهم انا ، واتصرف علي هذا الأساس حرصا علي حياتي وحياة من حولي.
وما أهمية الحالة النفسية في الظرف الذي نعيشه وهل بالفعل له علاقة بتقوية المناعة ؟
مناعة الشخص ترتبط إرتباطا وثيقا بحالته النفسية لذلك أنصح الجميع بان يحافظوا علي هدوئهم وحالتهم النفسية لأنه من المعروف ان مناعة الشخص تقل جدا مع سوء الحالة النفسية والمعنوية وهو ما يترك مجالا للفيروس للتمكن لاقدر الله من الشخص صاحب المناعة الضعيفة ،فعليكم بالإسترخاء والبقاء في المنزل وهذا مصدر أمان كامل لكم من الإصابة بالفيروس مع استمرار استخدام المطهرات دون إفراط لأن لها أضرار غير محمودة مع الإستخدام الخاطئ.