القاهرة 25 فبراير 2020 الساعة 09:55 ص
عاطف محمد عبد المجيد
في كتابه " ما الموسيقا " الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، يُلقي د. زين نصار الأضواء على طبيعة فن الموسيقا وموقعه بين الفنون الأخرى، كما يقول في مقدمته، مقدمًا تعريفات مبسطة لأنواع المؤلفات الموسيقية العالمية كالكونشيرتو بأنواعه، والسيمفونية والقصيد السيمفوني وغيرها، كما يعلق الكاتب على بعض المؤلفات الموسيقية في الصيغ المكتوبة، كما يلقي الضوء على حياة وأهم أعمال بعض مؤلفي الموسيقا العالمية والمصرية ومنهم مندلسون، فرانز ليست، شوبان، سان سانس، بيرليوز وفيردي، ومن مصر يوسف جريس، أبو بكر خيرت، إبراهيم حجاج، عبد الحليم نويرة، عطية شرارة، ورفعت جرانة. في تعريفه للموسيقا، يقول نصار إنها أنغام تنساب سواء من غناء إنساني أو من آلة موسيقية، أو منهما معًا، فتؤثر فيمن يسمعها تأثيرًا مباشرًا.نصار يقول كذلك إن الغناء له تأثيره في النفس الإنسانية، وهو أهم الممارسات الفنية للتعبير عن المشاعر المختلفة، سواء كانت عاطفية أم دينية، أم تعبيرًا عن الأفراح أم الأحزان، ويمكن للإنسان أن يغني بمفرده، ومع التطور أصبح المغني يستعين بآلة موسيقية إلى أن وصل الأمر لأن يغني المغني بمصاحبة فرق موسيقية كبيرة.
فطرة طبيعية
نصار يرى أن التأثر بالأعمال الغنائية أو الموسيقية فطرة طبيعية خلقها الله في الإنسان، ويُلاحظ أن هناك نسبة قليلة جدًّا من البشر الذين أنعم الله عليهم بالموهبة الموسيقية، وهؤلاء هم المؤلفون الموسيقيون والملحنون والمطربون والمطربات والعازفون على الآلات الموسيقية المختلفة، وهم المبدعون الذين يؤلفون المقطوعات الموسيقية ويلحنون الأغاني ويعزفونها ويغنونها.وبعيدًا عن ورود الكلمة مرة بالألف المنتصبة " الموسيقا " ومرة بياء الوزة " الموسيقى "، يذكر المؤلف أن فؤاد زكريا في كتابه التعبير الموسيقي يقول إن المكانة الرفيعة التي تحتلها الموسيقا ليست وليدة التطورات الحديثة التي مر بها هذا الفن، بل لقد كان القدماء يؤمنون بأن للموسيقا في النفس تأثيرًا يتجاوز تأثير سائر الفنون الأخرى.فالموسيقا، يؤكد الكاتب، تتميز بأنها لا تصور ولا تقلد شيئًا، فبينما نجد الرسم فنًّا تصويريًّا، والنحت له صلة بتصوير الواقع الخارجي عن طريق أبعاده الثلاثة، والأدب يمثل الواقع عن طريق الرموز اللغوية، فإن الموسيقا لا تقلد ولا تمثل شيئًا، وهي في هذا نمط فني مستقل بذاته.نصار يرى أن الفن الموسيقي قد بلغ حدًّا من الاستقلال جعل له كيانًا قائمًا بذاته، ويستحيل أن يُرد إلى غيره.الشعر مثلاً، يقول المؤلف، يُفهم إذا تمت ترجمته إلى لغة أخرى، والفنون الأخرى المقلدة تُفهم بالرجوع إلى الأصول التي تقلدها، لكننا نرى أن الموسيقا لا تقبل أن تُترجم إلى أية لغة أخرى، خاصة، وهذا ما يؤكده نصار، أن تجربة الموسيقا تجربة لا نظير لها، وتذوقها يتم عن طريق عملية فريدة لا تُفهم إلا من خلال سياقها الداخلي وحده، والانفعال الذي تثيره الموسيقا يستحيل أن يُعبر عنه بلغة أخرى، أو بوسيلة أخرى من وسائل التعبير، ولا يمكن تصوره إلا بسماع هذه الموسيقا ذاتها، ومن هنا قيل إن الموسيقا لغة مستقلة مكتفية بذاتها.
حوار موسيقي
وحين يصل نصار إلى تعريف المؤلفات الموسيقية العالمية يقول عن الكونشيرتو المنفرد إنه حوار موسيقي بين آلة موسيقية منفردة وباقي آلات الأوركسترا، والعازف المنفرد الذي يؤدي الكونشيرتو المنفرد لابد أن يكون قد وصل لأعلى مستوى من البراعة في العزف، ويجيء الكونشيرتو في ثلاث حركات، ويُطلق عليه اسم الآلة المنفردة التي تؤديه.أما الكونشيرتو المزدوج فتؤديه آلتان يختارهما المؤلف الموسيقي وفقًا لرغبته مع الأوركسترا.وهناك الكونشيرتو الثلاثي والكونشيرتو جروسو، أما السيمفونية فهي مؤلَّف موسيقي طويل يعزفه الأوركسترا السيمفوني، ويتكون من أربع أو خمس حركات.أما القصيد السيمفوني فهو من أهم المؤلفات الموسيقية ذات البرنامج في العصر الرومانتيكي، ويكون في حركة واحدة متوسطة الطول، يؤديها الأوركسترا السيمفوني ويحمل عنوانًا يوضح الموضوع الذي يمكن أن يكون قصة أو يصف مشاهد من الطبيعة، أو يصف نوعًا من الحالة النفسية لبلد ما، وقد يكون مأخوذًا عن قصيدة شعر، وأول من ألف قصائد سيمفونية هو المؤلف الموسيقي المجري فرانز ليست.وفي حديثه عن متتالية موسيقا الأفلام، يقول الكاتب إن بعض مؤلفي الموسيقا يقومون بتأليف الموسيقا للأفلام السينمائية، وعندما تلقى نجاحًا جماهيريًّا يقوم المؤلف الموسيقي باختيار أكثر المقطوعات نجاحًا ويضعها في متتالية تحمل اسم الفيلم، ويتم نشرها من خلال الأسطوانات، أو من خلال الوسائل الحديثة التي لم تجعل شيئًا مستحيلًا، ومن أمثلة هذا النوع يذكر نصار متتالية موسيقا فيلم قصة الحي الغربي لليونارد بيرنشتاين.
أشهر الموسيقيين
هنا أيضًا يتحدث نصار عن عدد من الموسيقيين العالميين وعن أعمالهم ذاكرًا منهم فيليكس مندلسون، وهو مؤلف موسيقي ألماني وكان يعد من أهم المؤلفين الموسيقيين في أوروبا في العصر الرومانتيكي، وظهرت على يديه الافتتاحية التصويرية حين ألف افتتاحية كهف فنجال، ولعب دورًا مهمًّا في موسيقا العصر الرومانتيكي، سواء كمؤلف موسيقي أو قائد أوركسترا أو مدير لكونسرفتوار لايبزيج.هنا أيضًا نعرف أن فرانز ليست مؤلف موسيقي وعازف بيانو وقائد أوركسترا مجري وكان شخصية عجيبة تميزت بصفات نادرًا ما اجتمعت في شخص واحد، إذ اشتهر كعازف بيانو أسطوري وكان يرعى شباب الموسيقيين الموهوبين ويقدم أعمالهم للجمهور. كذلك يكتب نصار عن عازف البيانو البولندي فريدريك شوبان الذي ظهرت مواهبه الموسيقية في سن مبكرة وقدم حفله الأول كعازف بيانو وهو في التاسعة من عمره. كما يكتب عن الإيطالي جوزيبي فيردي، وعن الألماني بيتهوفن وعن عازف البيانو الفرنسي كامي سان سانس ومواطنه هيكتور بيرليوز الذي كان من أعلام العصر الرومانتيكي البارزين، وكان له تأثيره الإيجابي على المؤلفين الموسيقيين المعاصرين له والتالين عليه. ومن المؤلفين الموسيقيين المصرين يكتب نصار عن يوسف جريس رائد التأليف الموسيقي الأول في مصر والعالم العربي، وعن المعماري والموسيقي أبو بكر خيرت، وعن إبراهيم حجاج الذي ألف موسيقا العديد من أفلام التليفزيون والمسرحيات والبرامج الإذاعية. وبعد..رغم صغر هذا الكتاب، إلا أنه ممتع ومفيد، عرفنا من خلال صفحاته التسعين الكثير من المعلومات عن الموسيقا وعن المؤلفات الموسيقية وعن المؤلفين الموسيقيين المصرين والعالميين..إنه بمثابة مقطوعة موسيقية رغم قصرها إلا أنها ذات تأثيركبير وفعّال.