القاهرة 07 يناير 2020 الساعة 10:16 م
حوار: سماح ممدوح حسن
تنتج الحياة الأدبية والثقافية في "تونس" خاصة، ودول المغرب العربي عامة العديد من الكتاب والروائيين من هؤلاء الجديرين بإثراء الحياة الفكرية والثقافية والعربية والمسهمين فى إرساء قواعد فكرية تصلح للبناء عليها لعقود عدة قادمة، ومن بين هؤلاء الكاتب التونسي "محمد عيسى المؤدب" الذى وصلت روايته "حمام الذهب" إلى القائمة الطويلة للبوكر العربية. أما عن رواية "حمام الذهب" فهي أحد أضلع المشروع الأدبي (مشروع الأديان والمكان) الثلاثي، الذى بدأه محمد عيسى المؤدب برواية "جهاد ناعم" ومحورها الدين الإسلامي، ثم روايته "حمام الذهب" ومحورها الدين اليهودي، وفي انتظار صدور آخر أضلع المشروع عما قريب ومحوره الدين المسيحي. وبمناسبة وصول رواية حمام الذهب، إلى قائمة البوكر الطويلة أجرينا هذا الحوار مع الكاتب التونسي محمد عيسى المؤدب.
- فى البداية نرجو أن تحدّثنا عن روايتك التى وصلت إلى قائمة البوكر الطويلة "حمام الذهب" ليتعرف عليها القارئ العربي بشكل عام والقارئ المصرى بشكل خاص؟
رواية "حمّام الذَّهَب" تسرد وقائع من تاريخ يهود تونس بـ "حيّ الحارة" أو "حارة اليهود" في مدينة تونس العتيقة منذ مجيئهم إلى تونس هربًا من مدينة قرنة ليفورنو في إيطاليا إلى حدود سنة 2010. وهذه الوقائع سليلة خرافة "حمّام الذَّهَب" القريب من "سيدي محرز" في المدينة العتيقة بتونس العاصمة، هي خرافة ظلّت عالقة بالذّاكرة الجماعيّة والتراث الشفويّ الشعبيّ، ولئن كان سحر الخرافة في البحث عن الذّهب فإنّ سحر تسريد تاريخ يهود القرانة أعمق من ذلك بكثير بحكم أنّه ينبش عن هُويّة أهملها المؤرّخون وتناستها الذّاكرة.
- للأسف، في مصر، لا يصلنا الكثير من أدب المغرب العربي (تونس، والجزائر، والمغرب) برأيك ما هو السبب؟ وكيف السبيل إلى تغير ذلك؟ فنحن، ورغم ثراء الأدب التونسى (وأدب المغرب العربي كافة) للأسف لا نعرف الكثيرين من أدباء تونس، ربما الكثيرون لا يعرفون من الروائيين التونسيين سوى هؤلاء الذين يفوزون بالجوائز.
مشكلة الكتاب في بلدان المغرب العربي وتحديدا تونس هو النّشر والتّوزيع، فالكتاب لا يوزّع بشكل حرفي ومسؤول ومحبّ للكتاب، إذ تقتصر دور النّشر على نشر ضيّق وبيع الكتب لوزارة الثقافة . في السّنوات الأخيرة تغيّر الأمر مع دار مسكيلياني التونسيّة التي خرجت بالكتاب التونسي من عزلته ووزّعته في أكبر المكتبات العربيّة، فرواية "حمّام الذّهب" مثلا موجودة في مكتبة تنمية بالقاهرة منذ أشهر. هناك كتّاب آخرون راهنوا على النّشر في دور نشر عربيّة ونجحوا، وفي اعتقادي لابدّ من مراجعة آليات توزيع الكتاب التونسي والمغاربي لأنّ له تجارب مهمّة. الجوائز بطبيعة الحال تسهم في انتشار الرّوائي وطلب كتابه في معارض الكتاب الدوليّة الكبرى.
- الكثيرون يرون أن مجيئ الكُتّاب (كُتّاب العالم العربي) إلى مصر شيء محبب للفوز بالشهرة أو الانتشار وتوسيع رقعة قرائه، تماما كما يفعل الفنانون من ممثلين أو مطربين، فهل حضرتك تتبني هذه النظرية؟ وهل سبق أن أتيت إلى مصر فى فاعلية أدبية أو ثقافية أو حتى للحصول على أفكار جديدة للكتابة؟
بالفعل أتبنّى هذه النّظريّة لأنّ مصر بلد له تقاليد أدبيّة وفنيّة عريقة بالإضافة إلى كونه سوق توزيع ضخم للأعمال الفنيّة والأدبيّة، والدّليل أنّ رواية "حمام الذّهب" عرفت توزيعا واسعا في القاهرة. شخصيّا زرت القاهرة والصّعيد المصري في سنة 2011 بمناسبة مهرجان الجنوب للشّعر العربي وعشت أياما جميلة بالقاهرة وفي مقرّ مؤسسة الأهرام، كذلك في قنا في الصّعيد وفي متاحفها التي ألهمتني أفكارا جديدة وثّقتها في رواية "جهاد ناعم" التي حازت على جائزة الكومار الذّهبي سنة 2017 لأحسن رواية تونسية. وعموما قد أزور القاهرة قريبا..
- هل تعتقد أنه سيجيئ اليوم ويفوز كاتب عربي آخر، سواء من مصر أو من أي بلد عربي أخر ب"نوبل للأدب" أم أنّها كانت المرة التى لن تعاد للعرب، تأتيهم مرة واحدة كما الموت؟ أم أنّ الجائزة أصبحت من الجوائز التى لا يعوّل عليها من كثرة القيل والقال من مخالفات تشوب الجائزة؟
في الآداب لا يوجد مستحيل، وأعتقد أنّ فرص حصول مبدع عربي على جائزة نوبل للآداب بعد نجيب محفوظ واردة جدّا في السّنوات الخمس القادمة، المهمّ أن تتحرّك ماكينة التّوزيع و تنشط حركة التّرجمة الجادّة ليصل هذا المبدع العربي إلى أكثر ما يمكن من القراء في العالم.
- كيف بدأت فكرة الرواية؟ أقصد من أين أو ما الذى أوحى إليك بفكرتها؟ وكم استغرقت من وقت فى كتابتها؟ وهل حدث حدث غريب متعلق بالرواية أثناء كتابتها، بمعني شيء حدث تعلّق بذهنك تزامن مع كتابتك للرواية؟
الرّواية هيّ الثّانية في مشروع أو موضوع: الأديان والمكان. هذا المشروع فيه ثلاث روايات، الأولى " جهاد ناعم " وصدرت سنة 2017 والثّانية "حمّام الذّهب " وصدرت سنة 2019 والثّالثة شارفت على إنهائها.
الفكرة في حمّام الذّهب كانت متعلّقة بتسريد تاريخ يهود القرانة في مدينة تونس العتيقة، لكن تفاصيلها وأسرارها جاءت بعد عمليّة بحث طويلة استغرقت سنة. الحدث الجميل هوّ أنّي زرت حمام الذهب للاستحمام 13 مرة وهو عدد فصول الرّواية. وفي إحدى المرات وأنا منغمس في أجواء أسطورة صبيّة الحمّام خيّل إليّ في ما نسميه نحن ببيت السّخون في الحمام أنّي أرى شعر الصبية التي ابتلعتها أرض الحمام منذ مئات السّنوات، أحسست بذهول وأنا أعايش تلك الحالة السّاحرة وغيرها من حالات الأسطورة الشّعبية العجيبة.
- محمد عيسى المؤدب يكتب القصة القصيرة والرواية؟ فأيّهما تعتقد أنّه ترك صدى أقوى لدى القارئ؟ وأيّهما هو نوعك المفضل فى الكتابة؟
كتبت القصّة القصيرة ونشرت مجموعتين قصصيّتين هما "عرس النّار" وهي حائزة على جائزة الدّولة التونسية لأدب الشّباب في القصّة القصيرة لسنة 1995 ومجموعة "أيّة امرأة أكون". انقطعت عن الكتابة بعد ذلك بسبب مضايقات النّشر سنة 2000 لمجموعتي القصصيّة الثّالثة التي لم تنشر وعنوانها "هيلينا". هذه المجموعة أحرقتها بالكامل وكرهت الكتابة فعلا.. طيلة تلك السّنوات كنت أقرأ بنهم، ولخمس سنوات أنتجت برامج أدبية للإذاعة التونسيّة بمعنى أنّي لم أنقطع عن عوالم الكتاب. وفي الأيّام الأولى لثورة 14 جانفي 2011 في تونس كان في نيّتي أن أعيد كتابة العشر قصص التي أحرقتها وعنوانها "هيلينا" ولكن، وجدت نفسي أسرد أيّام التّعذيب التي عشتها أيّام الجامعة سنة 1991 فكانت روايتي الأولى "في المعتقل" التي صدرت سنة 2013. ثمّ كتبت "جهاد ناعم" ثمّ "حمّام الذّهب" والحقيقة أنّ ما نشرته في القصّة القصيرة وفي الرّواية لاقى نجاحا واسعا لدى القراء ولدى النقاد والمتابعين المختصّين. بمعنى آخر، أنا لم أخطّط لأكتب رواية ولا لأن أغادر القصّة القصيرة. والآن أعتقد أنّي سأواصل كتابة الرّواية وأمامي مشاريع كبرى.
- ماذا تعني الكتابة بالنسبة لك؟ ولماذا تكتب؟ أقصد هدفك من الكتابة؟
الكتابة هيّ هُويّة أوّلا، هُويّة الذّات في تفاعلها مع المحيط المحلّي والعالمي، وهي التزام بهموم الإنسان المعاصر، فما فائدة أن نحيا ونحن في صمت مخجل إزاء ما تعيشه الإنسانيّة من بشاعة وترويع وطمس للمحبّة والجمال والحياة.. وهدفي من الكتابة أن أكتب ما هوّ مختلف ومنتصر للإنسان.
- حدثنا عن مشاريعك القادمة؟
أُنهي في الأيام القادمة روايتي الجديدة وهي الثالثة في مشروع: الأديان والمكان، ومن عادتي أنّني لا أتحدّث عن أيّ رواية إلّا بعد نشرها، المهمّ هي متعلّقة بالدّيانة السماويّة الثالثة بعد الإسلام في رواية "جهاد ناعم " واليهوديّة في رواية " حمّام الذّهب" تأتي الديانة المسيحيّة.. أنشر أيضا مجموعة قصصيّة، وهكذا، القلم لا يهدأ ولا يستقرّ بأرض.
الروائي التونسي محمد عيسى المؤدب من مواليد بلدة صاحب الجبل بالوطن القبلي التونسي
مؤلفاته
مجموعة قصصيّة: عرس النّار (1995) الدار العربيّة للكتاب
مجموعة قصصيّة: أيّة إمرأة أكون ( 1999) دار الأطلسيّة للنشر
رواية : في المعتقل (2013) دار الأطلسيّة للنشّر
نقد: نصوص منسيّة في الأدب التونسي الحديث– دار القلم 2016
رواية: جهاد ناعم – دار زينب للنّشر والتّوزيع 2017
رواية : حمّام الذّهب - مسكيلياني ومسعى للنّشر والتّوزيع 2019