القاهرة 03 يناير 2020 الساعة 04:18 م
أحمد عمر مصطفى
"من شرفة بيتهوفن"..لهاني عبد المريد..قصص الأحلام واللعب مع الخيال والفانتازيا والتفاصيل الصغيرة..هكذا يمكننا أن نصف هذه القصص الصادرة حديثا للقاص والروائي هاني عبد المريد عن الدار المصرية اللبنانية في طبعة أنيقة و118
صفحة وعبر 22 قصة، بأنها قصص الأحلام، ويمكننا أن نصفها بأنها قصص التفاصيل الغائبة عن وعينا في أيامنا المنقضية. القاص هاني عبد المريد يكتب بقلم شديد الثقة مما يلحظه ويفوت على الآخرين ببساطة..تفاصيل ملقاة على الأرض ..أرض حياتنا اليومية يلتقطها هاني عبد المريد ويرصعها، ليصنع منها لوحات قصصية شديدة الحساسية..لوحات عن الطموح الإنساني لبلوغ أقصى أهداف الحياة.لوحات عن العجز والشيخوخة والفقد..ولوحات عن الموهبة واقتناص اللحظة المثالية للنجاح.. ولوحات عن أبطال تخطوا الكهولة ووقفوا على حافة الشيخوخة وهم يرون أحلامهم وأفكارهم ومشاعرهم تمضي أمام أعينهم، وهكذا نرى مثلًا في القصة الأولى، رجل على عتبات الخمسين، بطل لقصة فيها شابة لا يلحظ منها سوى شامة في جانب عنقها الخلفي، تستدعي عنده أحلام وتخيلات عن نساء أحبهن، ومنهن كاميليا حبيبة الملك فاروق..الممثلة الشابة التي لقيت مصرعها غدرًا في حادث الطائرة.
وفي القصة الثانية لدينا بطل من الأحلام..لص يداهم شقة، فيكتشف خلوها من أي مقتنيات ثمينة، لكنه يجد في إحدى حجراتها مكتبة، فيبدأ رحلته في صفحات كتبها
المتراصة ككنز خفي لم يعرفه من قبل. وفي القصة الثالثة بطل رياضي، كأرنب بري، يحلم دائما بتحقيق المستحيل، حتى أنه يجتاز كل الخطوط، ويدهس في طريقه لتحقيق أحلامه عابرًا للطريق، لكن المجاز هنا هو الغالب على القصة، إذ إن خواء حياة بطله تجعله يرغب في الدخول لمغامرة جديدة حتى لو كانت دهس الآخرين.
وفي قصة "الرجل الموهوب" هناك فنان مبدع يسائل موهبته، ويتذكر حادثًا وقع له في طفولته، وتأثيره على أفكاره، وعبقريته، وهي قصة تتعامل مع التفاصيل
الصغيرة..تفاصيل الطفولة بما تحتويه من حوادث ابتلعتها الذاكرة، وتدفعنا
للتفكير والذهاب إلى رحلة عبر الأحلام نتذكر فيها طفولتنا الرقراقة التي صارت
هشة بفضل التراكمات الجديدة في الذاكرة. وفي قصة " نظرة أخيرة على شارع هادئ" يلعب هاني عبد المريد لعبة المراقب للحياة من شرفة ..وكأنه يطل على الدنيا من العالم الآخر..إذ يقف بطله يراقب ارتكاب أحدهم لجريمة..إنه البطل المرتفع عن الأرض..عن الحياة، وربما بطل لم يعد ينتمي إلى هذا العالم، فيكتفي بالمشاهدة والمراقبة، وهكذا تظهر الشرفة في قصة هاني عبد المريد تلك، التي تمنح المجموعة نصف عنوانها "شرفة"، يطل منها بطل القصة، وربما باقي أبطال القصص، على عالم آخر لم يعد ينتمي إليه، عالم الشباب، وعالم المراهقة، وعالم الطفولة، وهكذا تبدو قصص المجموعة مرتبطة بخيط واهن، خيط رفيع يلفت انتباه القارئ رويدًا رويدًا كلما تقدم في القراءة، إذ يرفع الشخص الآخر الذي يقع عليه فعل المراقبة نظره إلى البطل الرئيسي، فيراه بينما يصوب له هاتفه ليصور جريمته، وإذا بالمُراقب يصوب له مسدسه، وحينما يطلق رصاصته، تصيب بطلنا في فكرته..أو تصيبه في حب قديم.