القاهرة 31 ديسمبر 2019 الساعة 11:06 ص
منذ عام 1981 والدراسات الإعلامية التى تتناول منطقة حوض النيل بالبحث والدراسة فى غاية الندرة على الرغم من ضرورة استراتيجية إعلامية مصرية نحو هذه المنطقة، تلك هي النتيجة التى خلصت إليها دراسة "السياسة المصرية تجاه دول حوض النيل منذ عام 1981" التى نشرها الباحث أيمن السيد عبد الوهاب بكلية الدراسات الإفريقية التابعة لجامعة القاهرة حاليا – المعهد سابقا – ويتفق معها مجمل نتائج الدراسات التى نشرت بالكلية خلال الفترة من الثمانينيات وحتى بداية الألفية، وجميعها نتائج تحتاج لأن يعيد القائمون على رسم السياسة الإعلامية فى مصر النظر نحو الاهتمام بالقضايا المشتركة مع الدول المشاركة فى منطقة حوض النيل الـ "11".
منذ أن وقع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره السوداني عمر البشير، ورئيس وزراء إثيوبيا هايلى ديسالين، في العاصمة السودانية الخرطوم وثيقة "إعلان مبادئ سد النهضة"، والتي تضمنت 10 مبادئ أساسية تتسق مع القواعد العامة في مبادئ القانون الدولي الحاكمة للتعامل مع الأنهار الدولية، وحتى تحذير الرئيس عبد الفتاح السيسي من المساس بحصة بلاده من المياه، عندما قال: "نتفهم التنمية (في إثيوبيا) وهو أمر مهم، لكن أمام التنمية هذه مياه تساوي بالنسبة لنا حياة أو موت شعب"، والخطاب الإعلامي المصرى بعيد كل البعد عن مناقشة الأزمة، وكذلك فيما يتعلق بتناول القضايا المشتركة مع الدول المشاركة فى منطقة حوض النيل وكأن قضية مياه النيل غير ذات أهمية لدى القائمين على صناعة الخطاب الإعلامي فى مصر.
لم نر أحد مثلا بادر بتخصيص ملحق صحفي خاص بالشأن الإفريقي أو قناة فضائية أهتمت بفرد مساحة للبرامج التى تتناول أفريقيا ضمن خططها البرامجية التى تتغير كل ثلاثة أشهر، حيث اقتصر التناول على بعض الأخبار المتناثرة هنا وهناك، أو بعض الفقرات التى لا تتجاوز مدتها الزمنية النصف ساعة.
بالنظر إلى الدراسات الإعلامية التى نوقشت مؤخراً فيما يتعلق بالتناول الإعلامي لقضية أزمة مياه النيل أو دول حوض النيل؛ منها على سبيل المثال دراسة للباحثة أسماء رشوان بعنوان "أطُر تناول العلاقات المصرية الإثيوبية في الإعلام المصرى" بجامعة المنيا، نجد أن ما توصلت إليه دراسة من نتائج يؤكد مدى تراجع قضية أزمة المياه على نحو خاص، وقضايا منطقة حوض النيل بشكل عام سواء فى التليفزيون أو الصحافة المصرية؛ حيث توصلت الدراسة إلى أن أهم الخطوات المطلوبة لتحقيق التقارب السوداني الإثيوبي هو ضرورة بناء الثقة وهو الأمر الذي لا يتحقق فقط باللقاءات والمشاورات الدبلوماسية فقط ولكن أيضا من خلال ضبط الخط الإعلامي بينهم ومنعهم من الانزلاق وراء ما يوتر علاقات القاهرة والخرطوم وأديس أبابا ومناشدة الإعلاميين التصدي لبذور الفتنة بين البلدان الثلاثة، فضلا عن ضرورة العمل لمحاربة الشائعات وتحري الدقة فيما تتداوله وسائل إعلام البلدان الثلاثة خاصة مصر والسودان من تصريحات منسوبة للمسئولين في كليهما، وتبين من النتائج أن قضية سد النهضة احتلت المرتبة الأولى في قنوات عينة الدراسة " النيل واون تي في" تلتها الأخبار السياسية، وجاء إطار التعاون فى المرتبة الأولى بنسبة (12.4%) وفى المرتبة الثانية إطار المسؤولية بنسبة (12.3%)، كما اعتمدت قناتا الدراسة على المصادر الرسمية حيث جاء فى المرتبة الأولى الوزراء الحاليون والسابقون بنسبة (39.9%)، وفى المرتبة الثانية رئيس الجمهورية بنسبة (25.3%).
وبخصوص الصحف، فقد جاء الاعتماد فى نوعية المصادر فى المرتبة الأولى على المحررين بنسبة (41.7%) وفى المرتبة الثانية اعتمدت على المسؤول الحكومي بنسبة (13.2%)، واحتلت المصادر الإثيوبية الرسمية المرتبة الأولى بنسبة (16.1%) وفى المرتبة الثانية مصادر دول حوض النيل بنسبة (14.1%)، وتبين من النتائج أيضا أن قضية سد النهضة جاءت فى المرتبة الأولى بنسبة (20.8%) وفى المرتبة الثانية تأثر حصة من المياه بنسبة (15.4%) والمرتبة الثالثة الأمن المائي وتأثيره على الأمن القومي المصرى بنسبة (15.0%) والمرتبة الرابعة التغلغل الإسرائيلي فى إفريقيا بنسبة (13.9%)، جاءت العوامل المؤثرة بالسلب على المعالجة الإعلامية للعلاقات المصرية الإثيوبية جاء درجة (تؤثر إلى حد كبير) فى المرتبة الأولى بنسبة (41.6%).
الباحثة أمنية رشاد عبد الفتاح قدمت فى دراستها "اتجاهات الخطاب الصحفي المصري تجاه أزمة دول حوض النيل- دراسة مقارنة بين الصحف المصرية" والتى ناقشت مؤخراً بجامعة عين شمس عدداً من المقترحات؛ كان من أهمها تفعيل دور منظمات المجتمع المدني كسبيل لتفعيل قنوات التواصل مع نظائرها من دول حوض النيل؛ لاسيما في مكافحة الفقر، بالإضافة إلى توظيف أدوات القوة الناعمة بشكل تكاملي من خلال برامج تتبناها الوكالة الإفريقية التي أنشئت في مصر عام 2015 ليتشابك الدور الرسمي وغير الرسمي ويبرز التأثير المصري، مثل أدوار الأزهر والكنيسة والجامعات والمثقفين والإعلاميين.
واقترحت الباحثة فى دراستها أيضا ضرورة تفكيك مواقف بعض دول الحوض وتجاوز حالة الحشد التي نجحت فيها إثيوبيا؛ حيث تحتاج تحركا مصريا مباشرا تجاه كل دولة، وتقتضي أيضا تعزيز المصالح المشتركة وأطر التعاون الثنائي، وهو ما قام به بالفعل الرئيس السيسي منذ توليه الرئاسة في الفترة الأولي وصولا بتولي مصر رئاسة الاتحاد الإفريقي في المرحلة الثانية، وهو ما يؤكد الموقف السلبي والمتراجع للصحافة المصرية تجاه قضية أزمة المياه حتى الآن.