القاهرة 19 نوفمبر 2019 الساعة 09:59 ص
فى أعقاب اندلاع ثورة 25 يناير، سارعت وسائل الإعلام المصرية "المطبوعة ، الإلكترونية" فى مد يدها للمواطن حتى يصبح مشاركاً فى صناعة صحافته؛ وذلك من خلال تخصص أقسام عبر المواقع الإخبارية والبوابات الإلكترونية لصحافة المواطن، يرسل من خلالها مقالاته وبعض الفيديوهات التى تتناول بعض الأزمات التى تواجه فى الشارع أو فى المؤسسة التى يعمل بها أو مع أحد المسؤلين؛ وجميعها كانت بمثابة نوافذ ومتنفس للمواطن الذى كانت علاقته بالصحف ووسائل الإعلام قبل الثورة ولعقود طويلة علاقة المتلقى فقط، وإن كان بريد القراء يعبر فى بعض الأوقات عن مشكلات وهموم المواطن المصري، ولكن ومع مرور السنوات اختفى بريد القراء، وجاءت صحافة المواطن بسبب نمو التكنولوجيا الجديدة.. لكن منذ فترة قريبة اختفت صحافة المواطن فى المواقع الإخبارية والبوابات الإلكترونية المصرية.. ولكن قبل أن نبحث فى أسباب اختفاء صحافة المواطن فى وسائل الإعلام المصرية دعونا نبحث فى واقع هذا النوع من الصحافة وما أحدثه فى العالم.
بالعودة إلى عام 2008 نشر خبر أن المؤسس والرئيس التنفيذى لشركة آبل ستيف جوبز، تم نقله إلى المستشفى بسبب أزمة قلبية، ومع انتشار التقرير على شبكة الإنترنت انخفض أسهم شركة آبل 9 مليار دولار من قيمته، لقد كشفت هذه الحادثة عن مدى مساهمة صحافة المواطن فى إضعاف وظائف حارس البوابة ودورهم فى وضع الأجندة الإعلامية التى تخدم وسائل الإعلام التقليدية. فالصحف والتليفزيون والإذاعة والمجلات لم تعد لديها القدرة الحصرية لتحديد أو فى بعض الأحيان حتى تحرير طبيعة الخطاب.. وهو ما يعتبر تطوراً خطيراً بحسب ما ذكرته الدكتورة عواطف عبد الرحمن، فى كتابها الصادر مؤخراً بعنوان "بوابات التفكير المستقبلى" عن المكتبة الأكاديمية.
فى العامين الماضيين، استشعر القائمون على المواقع الإخبارية والبوابات الإلكترونية فى مصر أن صحافة المواطن قد افتقدت المعايير المهنية للصحافة بسبب كونها تصدر عن مواطنين عاديين؛ إضافة إلى إثارة بعضهم للقضايا الصعبة وغير المتوقعة الأمر الذي أدى إلى تغيير آلية استقبال ما يرسله الصحفى المواطن من مواد؛ حيث أعلن عدد كبير من الصحف عن تخصيص بعض الأرقام الهاتفية لاستقبال ما يرسله هؤلاء عبر تطبيق" واتس آب" حتى يضمن استعادة صلاحيات وأدوار حارس البوابة مرة أخرى فى تنقية المواد الصحفية، والاستعانة بما يتماشى مع سياساته التحريرية، واستبعاد ما لا يتناسب، وهو ما حدث فعلياً، ولكن تراجعت نسبة المواد الصحفية المنتجة من قبل المواطن فى المواقع الإخبارية والبوابات الإلكترونية المصرية تدريجيا خلال العامين الماضيين.
ما الأهمية التى أضافها الصحفيون المواطنون على الممارسات التقليدية للصحافة المهنية؟ تم التحقق من هذا السؤال وسواه عبر استفتاء قام به بعض الصحفيين المواطنين الذين قاموا بنشر العديد من المواضيع فى المواقع الإلكترونية المختلفة وبالرغم من أن مواقع كاليوتيوب وجوجل تسيطر على المحتوى الذى يقدم للجماهير إلا أن أغلب هذا المحتوى لا ينتمى إلى الأخبار أو المعلومات؛ لذا كان من المقرر أن يتم تحديد الدراسة لمخرجات الأخبار والمعلومات التى يتاح فيها الفرصة للمشاهدين والمتلقين للمساهمة بالقصص الخاصة بهم. وبناء عليه تم اختيار مؤسسة "Current" الإخبارية ليتم دراستها، وذلك نظراً للشعار الذى رفعته "العلم يقود عبر الأخبار والمعلومات التى تتدفق على مدار الساعة من خلال التليفزيونات والأقمار الصناعية وما يقدم من خلالها ويسهم المشاهدون فى صنعه"، وقد حصلت المؤسسة على جائزة "إيمي" نظراً للمحتوى الصحفى المتميز الذى كانت تقدمه، وكانت المؤسسة قد بدأت عملها الرسمى فى عام 2005، وبعد عام واحد من بدايتها أنشأت الـ"CNN" مؤسسة "أنا أبلغ" وقد تم الإعلان عنها فى 2007 بهدف إشراك المواطنين فى صناعة الأخبار، واستطاعت المؤسسة الحصول على مقطع الفيديو الوحيد عن المذبحة التى حدثت فى الحرم الجامعى بفرجينيا بفضل جهود المواطنين المشاركين فيها فى إبريل 2007، هذا الفيديو الذى تجاوز عدد مشاهداته 3 مليون مشاهدة على موقع " CNN".
وكما أشرنا من قبل، فإن صحافة المواطن قد تكون تراجعت فى مصر، إلا أنها تتصدر بعض المناطق مثل مناطق الصراعات كسوريا، وهى وبالمناسبة من أخطر المناطق على الصحفيين. ومن التجارب الصحفية المهمة فى سوريا فى هذا الشأن مجلة تحتفي بالصحافة الشعبية في مدينة داريا السورية المهجورة تحمل عنوان " عنب بلدي" وهى مجلة تصدر أسبوعيًا منذ مارس 2011، ولم ينقطع عملها إلا لمدة أسبوعين في شهر أغسطس 2012 عندما وقعت مذبحة داريا التي أسفرت عن مقتل 400 شخص، ومن خلال حملة تمويل جماعي تنفق المجلة على إصداراتها بهدف الاستماع إلى السوريين فى الداخل والخارج.
مجلة "عنب بلدى" أصدرت خلال الأيام القليلة الماضية كتاباً باللغة الإنجليزية يضم بعض مقالات كُتاب المجلة وتجاربهم - أكثر القطع أهمية التي نشرتها الجريدة بقلم مواطنين صحفيين فى سوريا- ، وهو الكتاب الذى ستقيم منظمة العفو الدولية ندوة عنه خلال الأسابيع القليلة المقبلة للتعريف بالدور الهام الذى تلعبه صحافة المواطن فى مناطق الصراعات.