القاهرة 22 اكتوبر 2019 الساعة 10:25 ص
الكاتبة السورية ميادة سليمان: الإعلام الغربى صدّر لنا الألعاب القاتلة وحرمها على أبنائه!!
حوار: صلاح صيام
كاتبة الأطفال السورية "ميَّادة مهنَّا سليمان" حاصلة على دبلومِ دراسات عُليا في الأدب العربيّ من جامعة دمشق, وتكتبُ معظم الأجناسِ الأدبيَّةِ ونالت عدة شهاداتِ تكريمٍ كثيرةً في مسابقاتٍ أدبيَّةٍ متنوّعةٍ, ولديها دراساتٌ نقديَّةٌ في الومضة والقصّة القصيرة جدًّا، والخاطرة، والشّعر, من مؤلَّفاتها (تبَّاً للقرنفلِ الأحمرِ) مجموعة شعريّة (عنايةٌ فائقةٌ للحبِّ) مجموعة شعريّة (رصاصٌ وقرنفلٌ) مجموعة قصص قصيرة جدًّا, مجموعة قصصيّة مشتركة عنوانها: (سنابلُ من حبرٍ), مجموعة قصصيّة مشتركة عنوانها: (على ضفاف الرّافدَين) ومجموعة شعريّة مشتركة أيضًا عنوانها: (الجنائن المعلّقة) نواصل الحوار معها حول الطفل العربى وما يقدم له, وما ينبغى أن يقدم... وإلى نص الحوار.
لماذا تكتبين للأطفال؟
أعتبر نفسي محظوظة أوّلًا: لأنّني أكتب معظم الأجناس الأدبيّة وما لم أكتبه، سأفعل ذلك لاحقًا ومن ضمن تلك الأجناس الّتي أكتبها ( أدب الطّفل). ثانيًا: لأنّني حين أكتب للأطفال أشعر بسعادة كبيرة وقلت مرّةً: "حين أتعب، أكتب للأطفال"ربّما لأنّني أهرب إلى عالمهم النّقيّ، وأسافر مع أحلامهم وبراءتهم، هذا الأمر أشعر وكأنّه " تطهير نفسيّ" كالّذي تحدّث عنه أرسطو، لكنّه مختلف عندي هنا فعند أرسطو يحدث في( المأساة) عن طريق إثارة مشاعر الخوف لما يحدث للبطل, أمّا عندي، فهو تنقية الرّوح بولوجها إلى عالم الطّفل ونسيان عالم الكبار المزيّف ولو مؤقّتًا, نسيان يجعل الرّوح تتخفّف من عبء الحياة وهمومها وأدران يوميّاتها وغبار تفاصيلها.
ما الذي ينبغي توافره في كاتب أدب الطفل؟
ينبغي أن يمتلك ذاكرةً وروحًا طفوليّتَين؛ فالذّاكرة هي الّتي يستنجد بها لتعينه وتمدّه بكلّ ما يمكن عن الطّفل وعالمه البريء، أمّا الرّوح الطّفوليّة فهي الّتي تجعله طفلًا يكتب لطفلٍ آخر، وقلتُ سابقًا في حوارٍ في إحدى المجموعات منذ أكثر من عامٍ، وقد أخذ أحدُهم مقولتي مؤخّرًا، ونسبها إلى نفسه دون خجل: "إنّ من يكتب للطّفل ينبغي عليه أن يتقمّصَ شخصيّة الطّفل حتّى ينتهي من الكتابة" وهذا الأمر طبعًا متعِب، ولكنّه تعبٌ جميلٌ.
صفي لنا أدب الأطفال في بلدك؟
تقول الكاتبة الألمانيّة كيرستن باوي في مؤلَّفها (كلّ شيء سيكون على ما يرام): "أعتقد أنّ القصص تجعل فهم الأمور أسهل على الأطفال من تلقّي المعلومات النّظريّة" لقد أجمع أدباء الأطفال في العالم على خطورة وضع الأطفال في عالمنا الراهن والمخاطر الّتي تقف في وجه أدب الطّفل ولا سيّما مع انتشار وسائل الاتّصال الحديث والّتي جعلت الطّفل يبتعد عن الأسرة والكتاب. في سورية يوجد اهتمام بهذا النّوع من الأدب من قبل الكتّاب، وكثيرٌ منهم أقلام شابّة، ولكن المشكلة في الدّعم الحقيقيّ للكاتب، فلا توجد جهات تحفّزه وتدعمه لينشر نتاجه، ودور النّشر الخاصّة طباعة كتب الأطفال فيها مكلفة ولا سيّما لأنّها تحتاج رسومًا ومهارةً في تصميم الكتاب وإخراجه, واللافت مؤخّرًا في سورية (معرض كتاب الطّفل) خطوة جميلة ومشجّعة، لكنّنا نأمل المزيد من الدّعم في هذا المجال. وبخصوص المجلّات أذكر عندما كنّا طلّابًا كانت هناك مجلّة (الطّليعيّ) الّتي كنت حريصة على شراء جميع نسخها كما توجد مجلّة (أسامة وشامة)، ولكن نتطلّع إلى المزيد من تلك المجلّات الموجّهة للطّفل ولا سيّما بعد الحرب وما كان لها من نتائج سيئة على نفسيّة الأطفال. من الكُتّاب المعروفين في سورية: سليمان العيسى، دلال حاتم، زكريا تامر، ليلى سالم، نجاة قصّاب حسن، عادل أبو شنب، حسيب كيّالي، مصطفى عكرمة، وغيرهم كثر.
ما خطورة تأثر الأطفال العرب بالمنتج الأجنبي من أفلام ومسلسلات وغيره؟
حذّرت اليونسيف من الانعكاسات السّلبية لمشاهد العنف التي من الممكن أن يراها الطفل، فمشاهدة الأطفال للتّلفزيون بشكل عامّ مسؤوليّة كبيرة ولا سيّما مع تعدّد قنوات البثّ، وهذا يتطلّب من الأهل ليس فقط الرّقابة، وإنّما توعية الطّفل، وتوضيح ماهيّة تلك البرامج ليكونوا متلقّين إيجابيّين، بدلًا من أن يكونوا سلبيّين. فالطّفل هو الغد القادم، وما يرسم هذا الغدَ هو نوعيّة التّربية، والتّلقين التي نقدّمها لهذا الطّفل في الحاضر. وكما قيل من ملَكَ الإعلامَ ملكَ كلّ شيء، ألا يعاني بعض الأطفال من القلق الذي تسبّبه أفلام الرّعب؟ إذن هناك تأثير شديد للآلة الإعلاميّة، فمن منّا ينكر خطر الشّاشة الصّغيرة على الأطفال؟ لقد أثّرت في سلوكهم، وزوّدتهم بثقافة صِيغتْ بأيدٍ موثوقةٍ، وغيرِ موثوقةٍ في أحيانَ كثيرةٍ، فظهرت فيهم الأمراض الاجتماعيّة المختلفة، إنّها سموم تكتسي ثوبًا أنيقًا يُغذَّى بها أطفالنا على مرأى ومسمع منّا, وللأسف استغلّ أعداؤنا هذه النّقطة جيّدًا، واستخدموها وسيلة لغزو أفكار أطفالنا عن طريق هذه الأفلام الكرتونيّة الّتي بثّوا داخلها جميع سمومهم الفكريّة المغرِضة، مثلًا في فيلم (The lion king) نجد الكثير من الأشياء المخالفة لتعاليمنا وتربيتنا وعاداتنا؛ لقد قامت كلّ الحيوانات بالسّجود لـ (سمبا) عند ولادته، وقام بعدها القرد بعرض(سمبا) على ضوء الشّمس، وكأنّه يستمدّ قوّته منها، كما ظهر الخنزير في هذا الفيلم كحيوان طيّب رقيق القلب، وقام بتربية (سمبا) واحتوائه بعد قتل أبيه، وكما نعلم فإنّ ديننا الإسلاميّ يعتبر الخنزير حيوانًا قذرًا نهانا عن أكل لحمه، ولكن في كثير من الأفلام يتمّ تصوير هذا الحيوان بصورة الحيوان اللطيف الذي يحبّ الآخرين ليزرع في قلوب الأطفال حبّه والتّعاطف معه, هذا عدا عن وسائل التّواصل الاجتماعيّ، وما حملته من تلوّث دينيّ، وفكريّ، وأخلاقيّ، واجتماعيّ؛ فكثير من الألعاب كانت سببًا في انتحار أطفال أبرياء، أو غذّتهم بالعنف، وحبّبت إليهم القتل عن طريق تلك الألعاب الّتي يتمّ فيها إطلاق النّار على أشخاص في اللعبة ذاتها, إنّها ألعاب صُمّمت لتخريب عقول أبنائنا، وإضاعة وقتهم، في حين أنّ أبناء من صمّموا تلك الألعاب لا يلعبون بها، بل يستثمرون وقتهم في الدّراسة، والمطالعة، والابتكار، والاختراع، وتعلّم اللغات!
ونكمل فى الحلقة القادمة.