القاهرة 16 يوليو 2019 الساعة 09:11 ص
كتب: أحمد مصطفى الغـر
منذ سنوات؛ وقد اعتدنا على قراءة نتائج العديد من الدراسات حول التأثيرات السلبية لمواقع التواصل الاجتماعي، معظمها يحذر من الاستخدام المُفرط لوسائل التواصل الاجتماعي كونه يسبب العديد من المشاكل التي تؤثر على الصحّة النفسيّة، وتصيب الإنسان بأمراض مثل القلق والاكتئاب، والانطواء والابتعاد عن التفاعل الاجتماعي المباشر مع المحيطين به، بالإضافة إلى اضطرابات النوم.
هناك 3 مليارات شخص حول العالم يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، أي ما يعادل 40% من سكان الأرض، متابعين هذه المواقع يقضون في المتوسط نحو ساعتين يوميا في تصفحها والتفاعل من خلالها، كما أن هناك نحو نصف مليون تغريدة وصورة تنشران على موقع سناب شات للمحادثة كل دقيقة، ورغم أن الناس يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي للتنفيس عما بداخلهم، والحديث في مختلف الموضوعات، لكن الجانب السلبي في هذا الأمر هو أن تصفحنا وتعليقاتنا ومنشوراتنا تدخلنا في الغالب إلى موجة لا تنتهي من التوتر والضغوط، وبالرغم من ذلك فإن هذه المواقع قد باتت كالسجن الذي حجزنا أنفسنا بداخله وبإرادتنا، فهي الملجأ لنا في كل آن، وكل حين لا يمكن تمضية اليوم من دونها.
في عام 2014، توصل باحثون بالنمسا إلى أن المشاركين في إحدى دراساتهم العلمية كانوا يشعرون بتراجع في حالتهم المزاجية عقب استخدام موقع فيس بوك لمدة 20 دقيقة، مقارنة بأشخاص تصفحوا فقط بعض مواقع الإنترنت في نفس الفترة الزمنية. وفي عام 2015م، توصل الباحثون في مركز "بيو" للدراسات بالولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي تزيد من حدة التوتر لدى المستخدمين، أكثر مما تخففها، ووجدوا أن النساء يشعرن بتوتر وضغوط أكثر من الرجال، عند استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وعندما يقيس الشخص سعادته في الحياة الواقعية بالسعادة التي تعكسها صور وقصص الحياة الافتراضية، فانه يشعر بالنقص وعدم القدرة على تحقيق ذاته في أي مجال، وهو ما قد ينعكس سلبا وقد يؤدي إلى جلد الذات والعزلة والوحدة وصولا الى الاكتئاب الشديد، وفي بعض الأحيان محاولة الانتحار.
من التأثيرات السلبية أيضا، انتشار ظاهرة التقاط صور السيلفي، والتي باتت عادة يوميّة لملايين البشر الذين يولون أهميّة كبيرة للمظاهر والمعلومات الفوريّة، وهى الحالة التي أطلق عليها بعض علماء النفس "مجتمع الصورة الزائلة"، صحيح أن التقاط الصور الذاتيّة يعمل على تحسين مستوى الرضا لدى الأشخاص، إذ أنَّها تلتقط عادة في وضعيّات تثير إعجاب المُتفرِّج، كمثل التصوير خلال ممارسة هواية الغوص أو أمام أحد المعالم المشهورة أو في مكان من الاماكن المعروفة، كما أنها تتيح للأشخاص التحكم الكامل بصورتهم، لكنها في نفس الوقت تثير الذاتيّة وإشكاليّة النرجسيّة والإفراط في تقدير الذات، الذي يتغذَّى على السعي وراء حصد أكبر عدد من علامات "الإعجاب" على الصور.
يرى الفيلسوف والناقد السياسي السلوفيني الشهير "سلافوي جيجيك" أن موقع التواصل الاجتماعي الشهير "فيس بوك" يساعد في بناء ذات سلبية، ليس بمعنى عدم تفاعلها مع المحيط، وإنما في عدم التأثر أو الخضوع لشيء آخر، إذ يمكن المشاركة في أي حدث دون أن يكون المرء مضطرا للظهور، وفي كتابه "فيس بوك والفلسفة ـ بما نفكر" يجادل "جيجك" مع باحثين آخرين في تناول فيسبوك من منظور فلسفي، إذ يرى آخرون أن موقع التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة في العالم أصبح مقبرة للخصوصية، كما يعتبر فيس بوك مغذياً رئيسياً لـ "الأنا" لدينا ويزيد من درجة النرجسية، لأنه يتيح للمستخدم الآليات التي يمكن بها أن يصنع صورة جديدة أو بديلة لنفسه.
قبل أيام قليلة تم الإعلان عن نتائج دراسة أمريكية جديدة، لكن هذه المرة؛ فإن الأمر مختلف تماماً، فإذا كانت معظم الدراسات السابقة تتحدث عن تأثيرات سلبية لتلك الوسائل على الصحة النفسية، فإن الدراسة الجديدة توصلت إلى نتائج مفاجئة، ويمكننا القول أنها قد أحدثت صدمة!، كونها تخالف سابقاتها حول تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على الصحة النفسية والعقلية لمستخدمي تلك الوسائل، حيث وُجِدَ أنَّ الأشخاص الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي وتزيد أعمارهم على 30 عاماً، هم أقل عرضة بنسبة 63% للمعاناة من مشكلات الصحة العقليّة مثل القلق أو الاكتئاب مقارنة بأولئك الذين لا يفعلون ذلك.
فالدراسة التي أنجزها باحثين في جامعة ميتشيجان، بيانات 13 ألف شخص في سن الـ30 وما فوق، وتضمنت البيانات معلومات عن استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعي وتاريخهم السابق في الصحة العقليّة، توصلت إلى أنَّ استخدام مواقع التواصل الاجتماعي قد يُحسِّن الصحة العقليّة من خلال المساعدة في الحفاظ على العلاقات والروابط الاجتماعية، حتى ولو جعلتها سطحية، فإعادة الاتصال مع أفراد الأسرة البعيدين يُحسِّن من صحتهم العقلية، كذلك نجد أن هناك سهولة في الحصول على المعلومات الصحيّة من قِبَل مستخدمي الشبكات الاجتماعية إذا شعروا بضيق نفسي، فقد أثبتت الدراسة أنَّ أولئك الذين يستخدمون موقع (فيس بوك) كانوا أقدر بزيادة 1.63 مرة لتفادي المشكلات النفسيّة عن أولئك الذين لم يفعلوا ذلك.