القاهرة 11 يونيو 2019 الساعة 03:36 ص
الإحساس بالخجل السام
د.فايزة حلمي*
يقول (Alex Barker): "لقد عانيت من القلق الاجتماعي لأكثر من 10 سنوات قبل أن أجد أخيرًا نظامًا يناسبني, الآن ، بعد دراسة عِلم النفس ، وأفضل الكتب في هذا المجال ، أنا هنا لأوضح ما وجدته, هدفي هو مساعدة الناس مثلك, على إكتساب الثقة والأصدقاء والشركاء, وتحسين حياتك المهنية ... كل ذلك من خلال التغلب على القلق الاجتماعي".
قد نتساءل: لماذا الإحساس بالخجل السام ((Toxic shame يختلف عن الإحساس بالخجل الطبيعي( normal shame)؟!!:
هل سمعت قصة عن تدريب الفيل الصغير؟ إذا قمت بربط فيل بوتد أو عمود كبير، فإنه يتعلم أنه لا يمكنه المشي إلا مسافة قصيرة, الشيء المثير للإهتمام هو أنه عندما يكبر الفيل، يظل يعتقد أن الوتد يُثَبْته في مكانه, رغم أنه يمكن للفيل البالغ سحب الوتد بسهولة, لكنه لم يحاول مُطلقًا.
هذا ما يسمى "العَجْز المُكْتَسَب", يعتقد الفيل أن هذه هي الطريقة التي يعمل بها العالم، لذلك لا يحاول تَحدّيها, وهو مُشابِه جدًا للخجل السام, فإذا تعرّض شخص ما للخجل السام ، فلن يَشُك في النهاية, في إنه مجرد جزء من عالمه وحقيقته.
بعبارات أكثر واقعية ، يصبح الخجل السام جزءا لا يتجزأ من العقل الباطن حيث, يَقُوُد السلوك, لهذا السبب يمكن أن يكون للخجل السام تأثير كبير على حياتك, وقد يكون أحد أسباب القلق الاجتماعي, ولكن قبل أن نذهب إلى أبعد من ذلك ، نحتاج إلى توضيح شيء.
ما الفرق بين الخجل العادي والخجل السام؟
هناك بالفعل فرق كبير, الخجل العادي هو العاطفة الإنسانية العادية, إنه ليس شعورًا جيدًا, الجميع يعرف ذلك, ولكن له عدد من الفوائد خلال مراحل النمو.
عندما تكبر ، فإن الخجل هو إشارة إلى أنك ارتكبت خطأً, وهذا يساعدك على تَعَلّم حدود المجتمع المقبولة ويرشدك إلى أن تكون أخلاقيًا, كما أنه يمنعك مِن تكرار نفس الأخطاء, وهذا جيد جدا, لكن الخجل يصبح مشكلة عندما يَصْبح مُزْمِناً.
الخجل المزمن ليس مرتبطًا بشيء إرتكبته خطأ, بدلاً من ذلك ، إنه إعتقاد راسخ عميقاً, أنك لست جيدًا بدرجة كافية, إنك لست مُسْتحقًا للحُب أو مَعيبًا أو مجرد "سيء", وهذا هو جوهر "الخجل السام".
وليس من الصعب أن نرى لماذا يسبب هذا مشكلات كبيرة, لكن الشيء الأقل وضوحًا هو لماذا بعض الناس لديهم خجل سام, والبعض الآخر.. ليس لديهم, غالبا ما تكون الإجابة متعلقة بالتربية.
كل شخص يعاني من الحرج أو الخجل أثناء نموّه, إنه جزء طبيعي من التطوّر البشري, يمكن أن ينطلق الخجل من قِبَل أي شخص بما في ذلك الآباء، أو أصدقاء المدرسة، أو المُدَرّسين، أو حتى الغُرَباء, وهذا يستمر عادة لفترة قصيرة, الخجل يُعلّمْنا الدّرْس ثم يختفي, ولكن بالنسبة لبعض الناس يظل قائما, وهذا عادةً بسبب مزيج من سببين:
* - الطفل بشكل طبيعي, حَسّاس للغاية, للخجل.
*- لا يَحْصُل الطفل على الدعْم العاطفي للتغلب على الخجل.
النتيجة؟ إذا شعر الطفل بالخجل بإستمرار، يصبح جزءًا من اللاوعي, وهذا يجعله يُشْعُر وكأن هناك شيء أساسي خاطئ معه, وهذا هو "الخجل السام".
من المهم الإشارة إلى أن الأشخاص عادةً لا يتسببون في الخجل السام عَمْداً, وهذا صحيح بشكل خاص للآباء والأمهات, قد يكونون والدين مُحِبّون ومُهْتمّون بِكل الطرُق, لكن الطريقة التي يتعاملون بها مع الحوادث المُخْجِلة, يمكن أن يكون لها تأثير سلبي دائم.
هل الخجل السام يسبب قلق إجتماعي؟
هذا هو السؤال الكبير! يعتقد بعض الناس أن الخجل السام هو أصل كل القلق الاجتماعي, لا يوجد دليلً على ذلك, فهناك عددًا من الأسباب المُحْتَملة التي لا تنطوي على الخجل, وإن كان الخجل السام يمكن أن يسهم في القلق بصورة ما, لذلك من المهم أن نفهم دُوُره, فالرابط الأكثر وضوحا هو أن الخجل يجعلنا "نختبئ"، جسديا وعقليا, جسديا قد تتجنب المواقف التي يحتمل أن تكون مُحْرِجة إجتماعيّا, أمّا عقليا، لا تريد أن يعرف الناس ما تفكر فيه أو تشعر به, لأنك تعتقد أنه "خَطأ" أو "سَيّء", وهذا يمنعك من إبداء رأيك ويمنعك من أن تَكُوُن نَفْسَك, يَجْعلك واعياً أكثر مِن اللازم بنَفسِك, والأهم مِن ذلك، أنه يُحَوّل كل تفاعل إجتماعي إلى إختبار: "هل أنا جدير بهؤلاء الناس؟ هل سيلاحظون أنني شخص مَعِيب بشكل أساسي؟ "
ليس من المستغرب أن هذه الأفكار المتكررة, يمكن أن تجعل الأحداث الإجتماعية غَيْر ممتعة, وتَبِث الشعور بعدم الكفاءة, أو بأنك غير مؤهّل, وهذه ليست الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يؤثر عليك بها الخجل السام, فأعْرَاضه يمكن أن تكون خَفِيّة في كثير مِن الحالات، فإن أكثر الأعراض تدميراً هو شعور غامض بِعَدم الإرتياح, لا يمكنك وضع إصبعك عليها تمامًا وأحيانًا لا تلاحظها, لكنها دائما .. هناك.
هذا الشعور لا يهتم عَمّا إذا كنت, ناجحًا في عالَمَك, لا يهتم إذا كان لديك مِهْنة رائعة, عائلة مُحِبّة, أو أصدقاء رائعون, سيظل يجعلك تشعر أنك لست جيدا بما فيه الكفاية, كأنّك فاشل !!!, لذلك إلى أن يتم حل ذلك ، من الصعب جدًا أن تكون سعيدًا حقًا, لكن أعراض الخجل السام لا تتوقف عند هذا الحد, يمكن للأعراض أن تشمل:
- الإحمرار أو التعرق, مما قد يؤدي إلى شعور أقوى بعدم الجدارة.
- صعوبة التواصل بالعين.
- التفكير في أن لديك أسرار مظلمة أكثر من الأشخاص "الطبيعيين", والقلق من أن الناس سوف يكشفون عنها.
- عدم القدرة على التفكير في شيء لتقوله ، غالبًا لأنك تعتقد أن الآخرين لن يهتمًوا.
- مُعايشة ذكريات مُحْرِجة, بَعْد شهور أو حتى سنوات من حدوثها.
كما لاحظت على الأرجح، فإن هذه الأعراض تعكس عن كثب القلق الاجتماعي, قد لا تكون نفس الحالة, لكنها بالتأكيد مرتبطة, ومع ذلك ، فإن ما يجعل الخجل السام مُدمِّراً للغاية, هو أن معظم الناس لا يدركون وجوده, مثل حَبْل الفيل، لِذا نادراً ما يتم تَحَدّي الخجل السام.
لكن الخجل السام ليس أنت, لقد أصبح جزءًا من عقلك الباطن, لكنه ليس أنت, لا أحد يُولَد مع الخجل السام ، إنه شيء تعَلّمْته, هذا هو الشيء الرئيسي الذي أريدك أن تأخذه من هذه المقالة, الخجل السام يمثل مشكلة, يمكن أن يزيد القلق الاجتماعي, أو حتى يسَبِّبه في بعض الحالات, ولكن على عكس الفيل، لديك القدرة على التشكيك في إفتراضاتك, وهذه هي الخطوة الأولى للتغلب على الخجل السام.
*د.فايزة حلمي
مستشار نفسي وكاتبة/مصر
Fayza_helmy@outlook.com
-