القاهرة 19 فبراير 2019 الساعة 11:04 ص
بقلم : أ. محمد جمال عمرو - الأردن
كلَّما تذكَّرت شاعر النيل وهو يسأل: لمصرَ أم لربوع الشام تنتسبُ؟ أجيب دون تردّد: أنتسب إلى مصر. وليس هذا تزلَّفا إلى مصر وأحبتي فيها، ولا زهدًا بأهلي في الشام، لكنها حقيقة ترسخت في وجداني منذ مولدي، حين سمَّاني والدي "جمال".. محبة لعبد الناصر الزعيم العربي الذي كان جيل أبي يعشقه حدّ الفداء، وأذكر أنه ذات يوم حضر من الأردن مع عدد من أصدقائه إلى مصر ليستمعوا إلى واحد من خطاباته الجماهيرية المشهودة.
منذ أن نما الوعي في نفسي سألت والدي عن سبب تسميته لي باسم "جمال"، فحدّثني- رحمه الله- عن مصر وزعيمها، وعن طيبة أهلها ورقة نيلها، وشموخ أهراماتها، فتعلقت روحي بها، ورحت أقرأ عنها، وأطالع كتب الأطفال التي كانت لمصر الريادة في إبداعها ونشرها في الوطن العربي الكبير، ولعل من أبرز تلك الكتب سلسلة المكتبة الخضراء، التي علقت بذهني قصص منها قصة "خاتم السلطان"، وأتخيل السلطان ووزيره على باب دكان الصائغ الطيب مرزوق المواجه للقصر، والذي كان يغضب السلطان بنشاطه المبكر ودعائه الصباحي: " يا فتَّاح يا عليم، ..."، فجاء السلطان ليلقّنه درسًا، وإلى آخر أحداث تلك القصة..
أحببت الأدب منذ الصغر، وتخصصت في الكتابة في أدب الطفل، فكانت مصر هي قبلتي التي أتجه إليها، وكانت مدرستي عن بعد، وكان رواد أدب الطفل فيها أعلامًا أحرص على صحبتهم، وكان أ. عبدالتواب يوسف- رحمه الله- أول من تواصلت معه منهم، وذلك خلال مشاركتي في المؤتمرات والندوات التي كان يعقدها المجلس الأعلى للطفولة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وكان الرجل يحدثني عن مصر وأهلها، وذكر لي أنه عمل مع أ. يعقوب الشاروني، وكنت- منذ تلك اللحظة- أتطلع إلى لقاء تلك القامة في أدب الطفل العربي، وربما كان من تقصيري أنني لم أشدّ إليه الرّحال في وقت مبكر، وبقيت أتحين اللقاء إلى أن تم في يوليو 2018 في الأردن.
في عمّان أعلنت مؤسسة عبد الحميد شومان عن موعد استضافتها لرائد أدب الطفل العربي أ. يعقوب الشاروني، لإلقاء محاضرة حول كتب الأطفال، ومن موقعي رئيسًا للجنة أدب الطفل في رابطة الكتاب الأردنيين، وجدتها فرصة سانحة لاستضافة أ. الشاروني في الرابطة لتكريمه وإدارة حوار له مع أعضاء لجنة أدب الطفل، وراسلته بهذا الخصوص وتحدد الموعد.
كانت لقاءاتي بالأستاذ الشاروني في عمان معدودة، لكنني فيها اقتربت كثيرًا من قامته، وشعرت أنني أعرفه منذ زمن، فهو في هدوئه وتواضعه وغزارة معرفته يجذب إليه جلساءه، وقد أدركت ذلك على مائدة الغداء الخاصة التي أقامتها له مؤسسة شومان قبيل محاضرته، حين راح يفيض من علمه ويحاورنا ويناقشنا، ثم تعمقت الفكرة لديّ وأنا أستمع إليه أثناء المحاضرة في منتدى شومان، وبعدها حين عقدنا له اللقاء في رابطة الكتاب الأردنيين مساء يوم الثلاثاء 31/7/2018 ، وكان من فقرات اللقاء قصة للأستاذ الشاروني ترويها- باستخدام الدمى- زميلتنا في اللجنة "القصصيّة" ضحى الخصاونة، والتي فاجأتنا بها ولعلّي أكثر المندهشين حينها، فقد حكت لنا ضحى تلك القصة التي علقت بذهني من المكتبة الخضراء: "خاتم السلطان"، ولست أدري حتى اللحظة كيف عرفت الزميلة تعلّقي بها.
من الطّريف أثناء الإعداد للقاء التكريمي للأستاذ الشاروني في رابطة الكتاب، أن أحدهم تساءل: "كيف تكرّمونه؟! اسمه الشاروني.. هل له صلة بتلك الشخصية من الأعداء؟" وضحك الحضور وضحكت كثيرًا وأنا أخبره أن الأستاذ يعقوب الشاروني ينتسب إلى "شارونة" بمحافظة المنيا المصرية.. وتم يومها اللقاء التكريمي من قبل لجنة أدب الطفل في رابطة الكتاب الأردنيين لرائد أدب الطفل العربي المعاصر الأستاذ يعقوب الشاروني، الذي نحتفل هنا بيوم مولده الـ "89"، ونتمنى له العمر المديد والعيش السعيد.