القاهرة 22 يناير 2019 الساعة 09:19 ص
كتب : عاطف محمد عبد المجيد
مستهلًا كتابه " تركة المثقف بين التجديد والتقليد" الصادر حديثًا عن الهيئة العامة للكتاب، يرى الشريف منجود أن الحديث عن الواقع الثقافي في عالمنا العربي حديث ذو شجون، لأنه يكشف عن واقع مرير يحفه الشوك وينال منه الظلام والرجوع إلى الخلف، غير أن السبب الأصيل لهذا، كما يذكر، هو أن المثقف الفاعل في الشأن الثقافي والخالق لهذا الواقع المعرفي والأدبي والفكري والباحث له انشغل عن الهدف الأسمى والمنوط به فعله من أجل معترك خال من أي بناء ونهضة، طمعًا في رزق، أو ضعفًا منه لمواكبة الحديث والمستحدث وقدرته على اجتياز التطورات السريعة في مجتمعه، مما اضطره إلى التخلي عن دوره.
انهيار المثقف:
منجود يؤكد أن الهدف من كتابه هذا، في الأساس، هو الكشف عن أسباب انهيار المثقف وطرح آخر لمفهوم هذا المثقف ودوره وما يجب أن يمارسه، هنا أيضًا يحاول الكاتب أن يكشف عن معوقات العمل، ومن ثم الكشف عن سمات هذا المثقف الثوري التي يجب أن يتحلى بها حتى تخرجه من ظلمات التيه وأطماع ومغريات الحاضر، هنا ينطلق الكاتب من رؤية أن ليس هناك صواب دائم، كما أنه ليس هناك خطأ دائم.
" تركة المثقف " يقسمه كاتبه إلى ثلاثة فصول، في أولها يتحدث عن مفهوم المثقف الثوري، طارحًا المفهوم ومعناه وحضوره التاريخي وسماته ومقترحات أدت إلى أزمة الواقع الذي نعيشه، ورؤى حول هذا الواقع، وفي الثاني يتحدث عن المثقف الثوري سواء كان في الميدان، أو في ميدان الفكر، وفيه يطرح منجود أهم القضايا التي تناولها بعض المثقفين، وكانت ثورة في عالم الثقافة والفكر، كما كانت ثورة في المجتمع أثرت ولا تزال تؤثر.بعدهما يستعرض، وفي الفصل الثالث، المثقف المضاد ومجريات ثورته المضادة، وكيف أثر ومدى تأثيره في الواقع المجتمعي. وحسب رؤية المؤلف فإن هذا الكتاب يمثل نموذجًا تطبيقيًّا من التاريخ عن المثقف وشأنه الذي لا يغيب.
هنا أيضًا يرى الكاتب أن المثقف الثوري هو الذي يصنع الثورة الفكرية مع الناس من البداية، حيث الركود العقلي والعمل في آن واحد، ناقلًا قول د. زكي نجيب محمود الذي يقول إن الصراع من أجل النجاح يدخل مرحلة جديدة، ويتسع استخدام قدارات العقل في اتجاهات عديدة، فتتغير الأفكار وتوجيهها قد خرج من مجال الرواية العملية ليصبح حقيقة واقعة تمامًا مثلما جعل الإنسان الوصول إلى القمر حقيقة، وسيؤدي هذا كله بالعقل إلى أن يصبح عاملًا أكثر أهمية في صراع الإنسان الحديث من أجل النجاح.
سمات المثقف الثوري:
هنا أيضًا نعرف أن المثقف الثوري هو الحجر اللعين الذي يرجم المقدس كما يرجم الدنس، يرفض الثابت كما يبتّ دومًا في المتحول، دائم النقد، لا يقف عند أحد حتى من شاركه طريق النقد، فهو أفضى بأن يكون دائم النقد لذاته قولًا وفعلًا، ولا يستطيع أحد أن يقوم بذلك إلا من خلال العقل، كل هذا لا يقوم به إلا المثقف الثوري الذي يظل شعلة ناقدة لكل شيء حتى يرضى أو ترتضي أفكاره، ولن يرضى لأن وصوله إلى أفكار جديدة هو السبيل إلى تحقيق أفكار أوسع وأشمل، وثورته هي خطوة أولى لثورة أوقع، فلا يكتفي بثورة واحدة، بل إن حياته أيام من الثورات.
في " تركة المثقف " يقوم منجود ببيان سمات المثقف الثوري ذاكرًا منها الاستقلال النقدي، نبذ السلطات، هدم التابو، واللا منتمي، ومتحدثًا عن الواقع الثقافي بين المثقف والمجتمع يقول منجود: "إن الانتقاء معنى طبقي يأتي دومًا ليفرق لا ليجمع، فالانتقاء وسيلة غايته التمييز.وعن العلاقة بين الدولة والمثقف"، ويكمل منجود: "إن الدولة استطاعت أن تسيطر على المثقف من خلال تهميش أي نشاط ثقافي أو فكري بعيدًا عن الحقل الحكومي، مما أدى إلى ظهور نخبتين إحداهما ملتزمة بمعايير السلطة محترمة كل الأعراف ومدبرة لتسير الثقافة وفق مراد السلطة، والأخرى قرر أصحابها أن يكونوا خارج سرب وزارة الثقافة كي يخلقوا لهم عالمًا خاصًّا بهم، صانعين نجومية زائفة من خلال التلاعب بأحلام التاريخ، واصطناع القدسية لذاتهم".
باعة جائلون:
الكاتب يرى أنه رغم كثرة من كتبوا الكتب وبحثوا في العلم وحفظوا المتون، إلا أن القليل منهم هم من أبدعوا الجديد وأتوا به على حين غفلة من أهلها.ونظرًا إلى أن كثيرين يجهلون مفهوم المثقف ولا الثقافة، ويعتبرون الثقافة متعلقة بالفن لا بسواه، فإن هذا هو سبب اختفاء المثقف الثوري وحلول شرذمة باهتة أطلق عليهم لقب مثقفين وهم في الواقع مجرد باعة جائلين، المؤلف يرى أن المثقف مناضل ثوري إذ يستمر فعله الذي الذي يحل كعقل في تاريخ الثورات الشعبية كونه فاعلاً وصوتًا ثوريًّا ينبض، ساعيًا من خلال أدواته المعرفية والإدراكية لإيجاد نموذج جديد معتمدًا على الحراك الثوري موجهًا إياه إلى التقدم مرة والبناء مرات أخرى، المؤلف يؤكد أن المثقف الثوري هو عقل ثائر على ذاته قبل أن يثور على غيره، ويعلو حسه بالحرية المسئولة التي لا تتأتى إلا بالعمل والجهد ومحاربة الاستبداد، وهو دور حقيقي للمثقف الثوري، كما يرى أن دور المثقف لا يقل عن دور السياسيين والعسكر في الثورات، وهو رمانة الميزان والمحافظ على أهداف الثورة وأفكارها، هنا يتحدث المؤلف أيضًا عن أوجاع المثقف بين الطمع والإيمان، وعن علاقة المثقف بالثورة، وعن المثقف الثوري في ميدان الفكر، وعن الانقلاب الأصولي وتحديات المرأة، متسائلًا هل المثقفون دائمًا مستنيرون؟!