القاهرة 22 يناير 2019 الساعة 09:08 ص
كتب : أحمد مصطفى الغـر
جهدٌ كبير بذلته البشرية لمحاربة البعوض الحامل للملاريا ودودة غينيا المريعة، وبينما كان لهذا الجهد مردوده الإيجابي في النجاح في القضاء على نسبة كبيرة جدا من تلك الحشرات الناقلة للأمراض المميتة، إلا أنه قد ترتب على ذلك خسارتنا لأشياء أخرى قد يكون لها عواقب كارثية على البيئة وصحة الإنسان. نقصد هنا تحديداً الطفيليات ، فالكائنات الطفيلية هى كائنات تعتمد في معيشتها على كائنات آخرى، وهذه الكائنات المتطفلة تصنّف نحو نصف الأنواع الـ7.7 ملايين على الأرض من الطفيليات.
وفي دراسة نُشرت مؤخرا في مجلة "التقدمات العلمية"، حذّر الباحثون من أن ارتفاع درجات الحرارة قد يدفع نحو ثلث الأنواع الطفيلية على الأرض إلى الانقراض بحلول عام 2070م، وقد يؤدي هذا النوع من الموت الجماعي إلى كارثة بيئية، ويذكر المشرف على الدراسة في جامعة كاليفورنيا "د. كولن كارلسون" أنه "من النقاط التي تعلمناها عن الطفيليات خلال العقد الماضي أنها تشكّل جزءاً ضخماً ومهماً من نظامنا البيئي أهملناه طوال سنوات، وقد أُنجزت في العقود القليلة الماضية أبحاث كثيرة سعت إلى فهم أسباب انقراض الثدييات الكبيرة أو طريقة تفاعل المحاصيل مع التبدل المناخي، ولكن ثمة أنواع كثيرة من الحيوانات والنباتات التي لا نعرف الكثير عنها".
وقد درست المجموعة البحثية بقيادة "كارلسون" مجموعة الطفيليات الموجودة بمتحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي قد تجمعت طوال الــ 125 سنة الماضية، وتحتوي على أكثر من 20 مليون عينة من الطفيليات من آلاف الأنواع يعود بعضها إلى مطلع القرن التاسع عشر. صحيح أن هذه المجموعة ضخمة، إلا أنها تبقى جزءاً صغيراً نسبياً من تنوع الطفيليات العالمي، وتشكّل قاعدة بيانات تاريخية تساهم في توقع الامتداد الجغرافي لأنواع محددة من الطفيليات.
خلاصة الأبحاث كانت أن نحو %10 من أنواع الطفيليات سوف تنقرض بحلول عام 2070م، أما في أحلك الظروف، فسيختفي ثلث الطفيليات بأكملها. وسيترتب على موجة الانقراض هذه الكثير من العواقب السلبية؛ حيث أن الطفيليات تؤدي دوراً مهماً في ضبط أعداد مضيفيها وفي توازن النظام البيئي ككل. أولاً، تقتل الطفيليات بعض الكائنات وتجعل أخرى ضعيفة أمام أعدائها. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون للطفيليات تأثيرات غير مباشرة، فثمة ملايين من أنواع الطفيليات غير المكتشفة التي لا يسعنا تخمين دورها البيئي، كما أن التبدلات البيئية المرجحة تحدث مشاكل محتملة للإنسان، فلا شك في أن الطفيليات قد تؤذي البشر، كما في حالة البعوض الذي ينقل أمراض زيكا، أو الملاريا، وحمى الضنك، ولكن في هذه الحالة قد يكون الشر الذي تعرفه أفضل من الشر الذي تجهله، إذ تتطور الطفيليات ومضيفوها معاً عادةً على مر سنوات طويلة، ما يولّد توازناً دقيقاً بينهما. وليس من مصلحة الطفيلي في نهاية المطاف أن يقتل مضيفه، لأن ذلك يعني خسارته موطنه ومصدر غذائه. نتيجة لذلك، قلما تكون الديدان الشريطية مميتة للإنسان الذي يصاب بها. فقد تطورت هذه الدودة لتنتقل إلى أمعائك وتتغذى بالطعام الذي تتناوله، إلا أنها نادراً ما تستهلك كمية كافية من السعرات الحرارية لتقتلك.
عندما تنقرض طفيليات معروفة، تظهر ثغرة مفتوحة جديدة في النظام البيئي تسعى أنواع طفيليات غازية أخرى إلى استغلالها، وتؤدي هذه الخطوة إلى احتكاك جديد بين نوع طفيليات ومضيف يُعتبران غريبين أحدهما عن الآخر ولم يطوِّرَا بعد علاقة غير مميتة، على سبيل المثال، عُثر عام 2014 على نوع من الديدان الشريطية غريبٍ عن الإنسان في دماغ رجل في الصين، ما أدى إلى إصابته بنوبات صرع والتهاب في الدماغ. وهذا بحد ذاته أمر مخيف ويعطينا فكرة بسيطة عن مشكلات انقراض الطفيليات.
خلاصة القول فإن مجال الحفاظ على الأحياء ينظر إلى كل الأنواع نظرة محايدة عند تقييم حاجتها إلى الحماية، وهذا يفرض علينا أن ننظر نظرة حماية للطفيليات مع مضيفيها، حفاظا على التوازن البيئي المتناهي الدقة والتعقيد.