القاهرة 13 نوفمبر 2018 الساعة 11:58 ص
حاوره ـ أحمد مصطفى الغـر
ــ الروائى أحمد طوسون..وقعت أسيرا لصلاح عبد الصبور بسبب حبى للشعر
ــ مصر طاقة هائلة في كافة مناحي الإبداع، ومن الظلم مقارنة أحد بها مهما تعثرت خطواتها
قاص و روائي وكاتب لأدب الأطفال ،هو صاحب "مراسم عزاء العائلة" و "تأملات رجل الغرفة" و"رقة القتل"، "مجرد بيت قديم"، "شتاء قارس"، "عندما لا تموء القطط" و"فتاة البحر"، أبحر بقلمه بين المجموعات القصصية والرواية، وصولاً لأدب الأطفال، حيث له إضافاته إلى مكتبة الطفل التي لا تخطئ العين أهميتها, وقد أجاد في موضوع تبسيط الأفكار كي تصل للأطفال بيسر، قال عن نفسه ذات مرة أنه "يكتب بمنطق الهواية" ، فهو يؤمن بأن مشكلة أدب الطفل فى الوطن العربي تبدأ عندما يتم إعتباره أدباً تعليمياً فقط ،دون النظر إليه باعتباره فن يتوجه إلى قارئ ذكي، أكثر ذكاءاً من القارئ الراشد فى كثير من الأحيان.
إنه الكاتب "أحمد طوسون"،عضو لجنة ثقافة الطفل بالمجلس الأعلى للثقافة، الذي حصد الكثير من الجوائز الأدبية والتكريمات، لعل أهمها ـ على سبيل الذكر ـ جائزة الدولة التشجيعية عام 2012 ، جائزة جنوب البحر المتوسط في القصة القصيرة، وجائزة الشارقة للإبداع العربي في أدب الأطفال لعام 2005، التقيناه و كان لنا هذا الحوار:
بمن تأثر "أحمد طوسون" من الكُتَّاب؛ وأية كتابات غيَّرت في كيمياء "طوسون"؛ وأمسكت بيده وقادته لهذه المهنة المرهقة؛ أعني هذا الشيء المسمى بالكتابة؟
بدأت محبا للشعر، ثم وقعت في أسر صلاح عبدالصبور! ، لأنه كان قريبا من عقلي ومن وجداني، عكس قصائد الشعر الجاهلي التي كنا نعكف على حفظها ودراستها بصحبة رفيقي الدرب الشاعرين أحمد قرني وأحمد عبدالباقي على يد مدرس اللغة العربية في المرحلة الإعدادية، ومن بعده أمل دنقل وأحمد عبدالمعطي حجازي في ديوانه "كان لي قلب".. كانت الكتابات السردية العربية التي تصل إليّ في هذا العمر تدفعني دفعا لقراءة الروايات العالمية المترجمة، فوقعت في هوى كتابات فيكتور هوجو، وتولستوي وغيرهما.. حتى تعرفت على كتابات نجيب محفوظ ويوسف إدريس..
إذا كنت محبا للقصة القصيرة فلابد أن تقع في أسر يوسف إدريس عربيا، لكن عندما تكتشف عالم البساطي سينقلك إلى منطقة أخرى من الكتابة والوعي.. سواء في القصة القصيرة أو الرواية.. محمد البساطي بكتابته السهلة الممتنعة التي تنقل إلى القاريء روح الأشياء وخرير الماء وحفيف أوراق الأشجار تجعلك تراجع أفكارك ومفاهيمك عن الكتابة.. عادة يميل الكتاب إلى التجريب في بداياتهم، لكن التعمق في عوالم البساطي السردية لابد أن يكون ترك أثرا ما في تشكيل وعيي عن الكتابة.. إبراهيم أصلان بتقشفه السردي.. يوسف إدريس.. محفوظ.. الغيطاني.. لابد أنهم شكلوا بكتاباتهم وعيا ما عن فهمي وتصوري للكتابة.. ربما!
في روايتك "رقة القتل"،تقصيت أثر الفساد الذي أصاب النخب وانتشر في مفاصل المجتمع ، فأظهرت الأبطال كجناة وضحايا في نفس الوقت ، فأي رسالة تحملها الرواية ؟،و ما مغزى هذا العنوان الغامض ؟!
تحمل الضحية بين جنباتها نصل قاتل.. الضحية في الحقيقة هي من تخلق الجاني الذي يجعل منها أضحية مستباحة للقتل.. أبطال روايتي هم أبطال الحياة.. جناة قبل أن يكونوا ضحايا.. إننا عندما نتخلى عن مقاومة القبح والفساد ومحاربتهما شركاء مع الجناة الذين يتصدرون المشهد ولكن من خلف الستار، لأننا فقط نريد التطهر من جرائمنا في حق أنفسنا ومجتمعنا بالظهور بمظهر الضحية.. سنظل نتهم الآخر ونحمله وزر جرائمنا وهزائمنا، بينما نحن في حقيقة الأمر "ماسوشيون"، نتلذذ بتمثيل دور الضحية والمظلومية.. نحن جناة حقيقيون وإن لم نضغط على الزناد ونطلق رصاصة القتل، حين سمحنا لثقافة القتل أن تشيع وتسود.
العنوان لا يبدو غامضا، بل أظنه يكشف أكثر مما يخبيء في طياته، ربما يكون النص كاشفا لما أردته من العنوان.. القتل الصريح العنيف سنحصي في النهاية ضحاياه مهما بلغوا، أما القتل المعنوي، أن تغيب شعبا وتتجاهل أجيالا وتغيبهم عن واقعهم فلا يمكننا بحال حصد عدد ضحاياه.. تلك الثقافة التي شاعت كانت أشد وطأة من كل ما حملته طائرات العدو وأطلقته مدفعيتهم في صدورنا.. تلك الثقافة التي جعلتنا نتعايش مع القبح ونرتضي به كانت أشد فتكا من دانات المدافع والدبابات والأسلحة النووية والكيميائية
بدايةً.. هل تفضل الكتابة للأطفال أم للكبار؟
أنا أفضل الكتابة التي تأتيني في وقتها، قالبها وشكلها ونوعها.. ولا أخطط لنفسي سأكتب هذا العام مثلا للكبار أم للأطفال.. الفكرة تختار قارئها ومن ستتوجه إليه.. وأنا أستمتع بالكتابة سواء للكبار أو للصغار، لا يؤرقني أبدا هذا السؤال حين أشرع في الكتابة، ما يؤرقني أن تبتعد عني الكتابة لفترات تحت وطأة العمل وضغوط الحياة.
برأيك من أين تبدأ محاربة الإرهاب .. أدب الأطفال أم الكبار ؟
تبدأ محاربة الإرهاب من التعليم، حين نمتلك منظومة تعليمية بفكر جديد كما في كل دول العالم المتقدم، تغطي الأطراف والقرى النائية والمناطق الفقيرة والعشوائية، قبل المدن الكبيرة والعواصم، تبدأ محاربة الإرهاب من الإعلام المرئي والمسموع الذي يصل إلى كل بيت حين يمتلك لغة خطاب هادئة تحترم عقول مشاهديه ورؤية ثقافية ودينية للرسالة الإعلامية التي يقدمها، محاربة الإرهاب تبدأ من الجامع والكنيسة حين يعلمان أتباعهما أن الأديان شرعت لتجعل حياة الإنسان أفضل وتنشر الحب والخير والجمال.. تبدأ محاربة الإرهاب حين تطبق العدالة بين الناس ويطبق القانون على الكافة بسواسية، حين نشيع ثقافة الجمال وننبذ ثقافة القبح، حين نتمدد عمرانيا أفقيا ولا نتمدد رأسيا.. الأدب فعل تراكمي يرسخ مباديء وأفكارا ستبث من خلال كل هذه الوسائل والوسائط التعليمية والإعلامية والدينية.
كان رائد أدب الأطفال "كامل كيلاني" يرى أن حوار قصص الأطفال يجب أن يكون بالفصحى ، هل أنت متفق مع ذلك ؟
أنا مع استخدام الفصحى في السرد والحوار في الأدب الموجه للطفل، لأن اللغة العربية ليست مجرد وسيط بين الكاتب والطفل وإنما هي هوية وانتماء.
لكن البعض يتهم أدب الطفل العربي بأنه يستخف بعقلية الطفل، وتتعاظم المشكلة مع دخول كتّاب غير مؤهلين لميدان أدب الطفل ،فهل تتفق مع هذا الرأي ؟
هذا الكلام يجانبه الصواب، أدب الطفل العربي شهد تطورا كبيرا في السنوات الأخيرة، وظهرت كتابات للطفل العربي لا تقل فنية عن مثيلاتها في الغرب، لكننا ما زلنا كميا في بداية الطريق مقارنة باهتمام الغرب بأدب وفنون الطفل, ولا شك أن كثيرين يستسهلون الكتابة للطفل, لكن الكتابة الجيدة قادرة على فضح الكتابة الرديئة وإقصائها.
يقول الشاعر (ثمانون بان لا تعادل هادماً .. فكيف ببانٍ خلفه ألف هادم) ، برأيك هل يكفي أدب الأطفال لخلق جيل واعي ، خاصةً في ظل غوايات العصر الحالي وما تقدمه وتفرزه يومياً ، دون مراعاة للأعمار أو الأخلاق ؟
ثقافة الطفل أشمل وأعم من أدب الطفل وتشمل فنون الطفل المختلفة، بخلاف أهمية ترويض وسائل الاتصال الحديثة واستخدامها بما يتلائم مع أهميتها للأجيال الجديدة في مجال ثقافة الطفل ودمج منظومة ثقافة الطفل مع العملية التعلمية منذ بدايتها وفق أسس علمية وتربوية وتخصيص المساحة المناسبة إعلاميا لمخاطبة أطفالنا بالمواد الفنية والأدبية الموجهة لهم.
ولا شك أن الاهتمام بثقافة الطفل وفنونه له مردود كبير على تشكيل وعي وذائقة الأجيال الجديدة، لكن للآسف لا تقدم الدولة حاليا الاهتمام المرجو منها بثقافة الطفل على أهميته، ربما بسبب الظروف الصعبة التي مرت بها مصر والمنطقة العربية منذ انطلاق ثورات الربيع العربي وحتى الآن، ونأمل مع استقرار الأوضاع في مصر أن تعطي الدولة الاهتمام الأكبر لثقافة الطفل لأنها الباب الواسع نحو مستقبل أفضل لوطننا وأجيالنا الجديدة.
ولماذا أنت مقلّ في الكتابة المسرحية للطفل ؟
الكتابة المسرحية للطفل لا تقتصر على الكاتب، فأهمية العمل المسرحي أن يقدم على خشبة المسرح لأطفالنا، وأنا أعتقد أن مسرح الطفل في مصر يعاني من قلة الاهتمام والحصول على الدعم الكافي من مؤسسة الثقافة وكذلك من الإعلام المرئي (متمثلا في الفضائيات المصرية) الذي له دور في انتاج مسرح الطفل وتقديمه عبر الشاشات، بخلاف مشاكل كثيرة أخرى لا مجال لذكرها هنا.
قلت سابقا ان الكتابة للأطفال "أصعب أشكال الكتابة وأخطرها، لأنها تساهم في رقي الأمم وبنائها" ،ما تقييمك لأدب الطفل في مصر ألان ؟
مصر طاقة هائلة في كافة مناحي الإبداع، ومن الظلم مقارنة أحد بها مهما تعثرت خطواتها، ولا شك أننا لا نستطيع أن نفصل أدب الطفل المصري بعيدا عن أدب الطفل العربي، فكما أسلفت شهدت الكتابات الموجهة للطفل طفرات فنية على مستوى الأفكار التي تقدم للطفل وتقنيات الكتابة والرسوم المصاحبة للنصوص ومستوى الطباعة.. ولكن يؤخذ على مؤسسة الثقافة المصرية أنها قلصت عدد إصدارات كتاب قطر الندى إلى 12 كتابا في العام في الوقت الذي يهتم العالم بكتاب الطفل ويزيد من دعمه واهتمامه، كذلك لا أجد اهتماما مناسبا من دور النشر الخاصة بكتاب الطفل، فأغلب دور النشر تطبع كتبا للاشتراك في المسابقات الكبيرة فقط أو تطبع لأصحابها، وما يقدم في السوق المصري بعيد عن المأمول وما يحتاجه سوق كتاب الطفل في مصر، كما تجاهلت مؤسسة الثقافة تخصيص جائزة عربية كبرى باسم مصر في مجال الكتابة للطفل تليق بمكانة مصر الرائدة في هذا المجال
في الختام.. برأيك ما هي العقبات التي تواجه أدب الطفل العربي كي يصل إلى أرجاء الدنيا مترجماً؟
هي ذات العقبات التي تواجه الأدب العربي عامة كي يصل إلى أرجاء الدنيا مترجما, النفوذ العلمي والفكري والسياسي له دور كبير في الترويج للثقافات، بخلاف أن كفاءة النشر والتوزيع والتسويق مهارات يغفل عنها كثير من المشتغلين بهذه الصناعات فلا يكاد يحقق الكتاب توزيعا يذكر في بلادنا، فكيف ينتبه له الآخرون ونطالبهم بما لا نفعله أو نجيده, الترجمة والتوزيع لا علاقة لهما بجودة العمل الفنية, المعايير الفنية لأدب الطفل العربي تجاوزت هذه المرحلة منذ زمن وكتب الأطفال العربية تنافس في المعارض الدولية، لكنها إشكاليات تتعلق بنواحي تسويقية وتجارية تفشل فيها العقلية العربية بامتياز!