القاهرة 09 نوفمبر 2018 الساعة 10:57 م
د.هويدا صالح
لستُ من متابعي الترندات الأشهر والأعلى متابعة وقراءة، ولا أجري وراء القضايا التي يفجرها ويتبناها ويشاركها رواد السوشيال ميديا، ليس عن جهل بآليات التكنولوجيا الحديثة، ولا تعاليا على ما يتعاطاه رواد صفحات التواصل الاجتماعي، إنما أكره أن أجد نفسي أجري وراء الموضات التي تضج بها صفحات التواصل الاجتماعي، كما أكره أن أجد نفسي لاهثة وراء ما يُطلق عليه(الهري) على هذه الصفحات؛ لذا لم تلفت نظري المعركة التي اشتعلت بعيدا عن متابعتي بين شابين يُطلق عليهما تجاوزا مطربان شعبيان، هما: حمو بيكا ومجدي شطة، بل نال هذان المطربان متابعات ومشاهدات على موقع عرض الأفلام والفيديوهات(اليوتيوب) ووصل الأمر بأحدهما(حمو بيكا) أن تنال أغنية له، (وأسمح لنفسي أن أطلق عليها أغنية) أعلى مشاهدة على موقع الأغاني الأشهر السوند كلاود، حتى أن نسبة سماعها فاقت كل المطربين المصريين والعرب مجتمعين، وأقصد بها أغنية(رب الكون ميزنا بميزة) لمؤدي أغاني المهرجانات حمو بيكا؛ مما جعله يُصرِّح واثقا في عدد المتابعين له (الفانز) بأنه أهم وأشهر من عمرو دياب.
عودا للتأكيد أنني لست من هواة الجري وراء التريند، لكن الترند وصل حتى منزلي، مقتحما خصوصيتي. كنت أقلب في قنوات التلفزيون، وفجأة توقفت أمام برنامج الإعلامي محمد الباز 90 دقيقة على قناة المحور وهو يستعرض المعركة الدائرة بين الشابين بعرض فيديوهات بثها كل منهما، وكانا يتبادلان الاتهامات فيها. وفهمت من ملخص ما عرضه الباز أن حمو بيكا قرر أن يقيم حفل مهرجانات في الإسكندرية لمحبيه ومتابعيه مجانا وسوف يشارك معه في هذا الحفل كل نجوم هذا اللون الشعبي من الغناء. سرد بيكا عددا من الأسماء التي سوف تشاركه الحفل ومن ضمنهم مجدي شطة. وفجأة عرف مجدي شطة بالأمر، فسجل فيديو هو الآخر وأذاعه، يرد فيه على حمو بيكا، أنه لن يذهب للحفل، وأنه مشغول بحفل في المطرية، وأن حمو بيكا قرر أن يزج باسمه في الحفل حتى يسرق(الفانز) أو المتابعين له. وحذّر بالتالي متابعيه ومحبيه (الفانز) بألا يذهبوا إلى حفل بيكا.
ربما يتساءل البعض ما يهمنا في متابعة معركة وهمية لشابين ينتميان إلى ما يُسمّى بفرق الأندر جروند، بل الفرق شديدة الشعبية من الأندر جروند؟
المدهش والذي يدعو للتساؤل والعجب أن يهتم الإعلام بمثل هذه الفرقعات. وليت الإعلاميون يهتمون بالظواهر من أجل تحليلها وقراءتها مجتمعيا، إنما يعرضون للظواهر، بل قد يستضيفون أمثال هؤلاء ويضمنون لهم الترويج ومزيدا من الانتشار، بل يقحمونهم علينا في بيوتنا ونحن آمنون مطمئنون نستمع لأم كلثوم ونطرب لفيروز ونترحم على الموسيقى الراقية التي بات من النادر أن نسمعها لدى المطربين الشباب.
لماذا يجري الإعلام وراء مواقع التواصل الاجتماعي؟ هل نحن في حالة من الفلس الإعلامي والفكري وغياب الرسالة الحقيقية للإعلام لدرجة أن نتتبع معارك وهمية بين ظواهر تظهر وتختفي بالضرورة ؟ أليس من المفترض أن يقود الإعلام مواقع التواصل الاجتماعي، بل يُشكّل رأيا عاما واعيا، يتذوق الفن والجمال؟!ماذا لو تجاهلنا مثل هذه الظواهر؟ ألن يخفت صوتها وتنتهي بمرور الوقت؟.
كيف نضمن لها الاستمرار ونمنحها قبلات للحياة طوال الوقت بإذاعتها على القنوات المرئية؟
بل مما يزيد الطين بللا ويحوله لمعجنة نغرق فيها جميعا أن يدخل نقيب الموسيقيين على الخط، خط المعركة، فيُصرِّح هاني شاكر أنه خاطب الجهات المعنية وطالبهم بمنع الحفل الذي سيقيمه بيكا، وقد حدث بالفعل أن تدخلت جهات الأمن لتمنع الحفل!!
كيف نعطي مزيدا من قُبَل الحياة لمثل هذه الظواهر؟ كيف يهتم نقيب الموسيقيين بأن يمنعهم ويحاصرهم بالتصريحات وغيرها؟ كيف يتحدث في تصريحاته بأن مثل هذه الأغاني خادشة للذوق العام؟ هل يُقيم من نفسه حارسا للأخلاق؟! هل هو رقيبٌ على الذوق العام حتى يمنع حفلا أو يسمح بآخر؟!
ألا يعطي هذا مزيدا من الحياة لظواهر لا يقتلها إلا التجاهل؟ ألن يحوّل هذا أمثال بيكا وغيره إلى مناضلين من أجل التواجد في مواجهة الدولة التي تمنعهم وتحاصر وجودهم؟
أليس من الأولى أن يحارب المجتمع مثل هذه الظواهر بأن يتجاهلها ويقاطعها بشكل مجتمعي دون اللجوء إلى المنع والقهر والحصار؟
إن مثل هذه الظواهر تحتاج لعلماء الاجتماع وعلماء النفس لتحليلها، لمعرفة لماذا يذهب خلفها ويستمع إليها ويشاهدها ملايين من الشباب!
نحن بحاجة إلى عدة إجراءات لمحاربة هذه الظواهر الرديئة :
أولا: تحليلها وفهم آليات تفكير الشباب. ثانيا خلق وعي مضاد للرداءة والقبح، وعي يتذوق الجمال ويلفظ بالضرورة الرداءة. ثالثا: نشر المزيد من الفن الجميل الذي يجب أن يطرد هذه الظواهر ويحتل المساحات التي يحتلها أمثال هؤلاء!.