القاهرة 30 اكتوبر 2018 الساعة 11:43 ص
أحمد شوقى اجتمعت له المزايا والخصائص التى تفرقت فى شعراء عصره
صلاح صيام
يأتى احتفالنا بأمير الشعراء أحمد شوقى وذكرى رحيله السادسة والثمانين فى جو يشتكى فيه الشعر من التجاهل والدخلاء وتقاعص أصحاب القوافى عن التدخل لانقاذ معشوقهم.
و"شوقى" يذكرنا دائما بالزمن الجميل , وفى كل عام يزداد احتياجنا لأنه كان – كما وصفه العقاد- علما فى جيله, علما للمدرسة التى انتقلت بالشعر من دور الجمود والمحاكاة الآلية , إلى دور التصرف والابتكار, فاجتمعت له جملة المزايا والخصائص التى تفرقت فى شعراء عصره , ولم توجد مزية ولا خاصة قط فى شاعر من شعراء ذلك العصر إلا لها نظير فى شعر شوقى, من بواكيره إلى خواتمه, وربما تشابهت تلك الخصائص او اختلفت, وربما تساوت أو تفاوتت , وربما كثرت أو قلت, ولكنها –على اية حال- موجودة على صورة من الصور فى كلام شوقى .
كان محمود سامى البارودى –مثلا- شاعرا رائع اللفظ , بليغ العبارة, وكانت روعته روعةالمتانة والفخامة, وبلاغته بلاغة السراوة والجزالة,وربما رجحته هذة المزايا على شوقى فى ناحيتها, ولكن "شوقيا" يعوضها بما يضارعها أو يفوقهافى آياته ومأثوراته, وهو سلاسة اللفظ وعذوبة السياق ورقة النغمة الموسيقية , وخاصة فى منظوماته الأخيرة.
وجملة ما يقال عن مكانة "شوقى" فى مدرسة الانتقال من الجمودوالمحاكاة الآلية إلى التصرف والابتكار , انه كان صورة كبيرة لتلك المدرسة تشبه الصورة الصغيرة فى ملامحها, ولكنها تكشف للناظر ما ليس ينكشف فى الصور الصغيرة لمن يريد التحقيق والتحليل , ومثله فيما بينه وبين زملائه فى فارق كمثل الرسم الذى يكبره الباحث ليرى فيه دقائق الخفايا فى الظلال. فهو هدف المتأمل والناقد , وهو ملتقى الأنظار الفاحصة, حيث ينبغى أن تلتقى للحكم على الصور جميعا, من محمود فيها ومنقود.
كان فى موجز القول علما لمدرسة الشعر فى مطلع النهضة الأوربية التى بدأت فى منتصف القرن التسع عشر, وكان له حظ العلم فى حالتين: يلتف به شيعته فى معسكره, وينتحيه الرماة من المعسكر الاخر .
وعن تجديد الوعى الدينى فى شعر "شوقى" يقول الناقد حسن طلب بدأت مظاهر الوعى الدينى الجديد تتشكل بوضوح مع بداية عصر النهضة فى القرن التاسع عشر , ولا شك فى أن الشعر قد لعب دورا مهما فى تشكيل هذا الوعى الجديد, منذ رائد مدرسة الإحياء محمود سامى البارودى إلى من حمل اللواء بعده من أعلام هذة المدرسة وفى مقدمتهم أحمد شوقى.
ونستطيع أن نلمس فى هذا الإطار كيف أن الانتماء الوطنى قد أخذ فى مزاحمة الإنتماء الدينى تحت وطأة الظروف الجديدة التى فرضها النضال ضد الإحتلال من جهة , والإطلاع على بعض جوانب الثقافة الغربية من جهة أخرى , ولعل الإنتقال من فكرة الدين باعتباره هوية , إلى الدين باعتباره تجربة روحية, لم يتجسد بصورة واضحة وحاسمة إلا من خلال الشعر فى تلك الفترة, خاصة شعر شوقى الذى تحدث فيه صراحة عن عبادة الوطن.
ونحن لا ننتظر بطبيعة الحال وعيا نقديا يكرس نفسه لقضايا الدين كما فعل "المعرى" فى لزومياته" فعصر شوقى مختلف , وكذلك نظرته إلى الشعر وفهمه لطبيعته ووظيفته ولغته , ومع هذا فهناك حدوس ورؤى شعرية لم تخل من نقد لبعض المظاهر السلبية فى الدين كما كان سائدا فى عصر شوقى, ولعل الفكرة التى رفعها المصريون شعارا فى ثورة 1919 وهى الدين لله والوطن للجميع هى من الافكار التى دارت كثيرا فى شعر شوقى سواء على نحو مباشر أو غيرمباشر.