القاهرة 18 سبتمبر 2018 الساعة 10:53 ص
حوار : منى لملوم
للمسرح طقوس عريقة تبدأ بالسلام الجمهورى ثم دقات الإعلان عن بداية العرض، هذه الطقوس التى عاشتها الأسر المصرية من بدايات المسرح ورموزه الكبيرة جورج أبيض والريحانى والكسار ويوسف بك وهبي، مرورًا بالأستاذ فؤاد المهندس وصديقه صاحب مدرسة المدبوليزم النجم الراحل عبد المنعم مدبولى ومن تلوهم من نجوم على رأسهم الزعيم عادل إمام ونجم الكوميديا سمير غانم والفنان الكبير محمد صبحى. وكانت هناك عبارة دائمًا ما تتردد على لسان نجوم المسرح الكبار: "إن نجاح أى رواية بالإسكندرية هو شهادة نجاح تُجيز للعمل السفر في كل المحافظات بل وخارج حدود الوطن"، ولكن مع قلة عدد المسارح في الدولة إما بالغلق أو الهدم وقلة النصوص الجيدة، بدأت أزمة كبيرة للمسرح وعزوف من الجمهور عن الحضور، حتى قرر مجموعة من نجوم المسرح الشباب العودة بالمسرح لماضيه العريق، وكان من ضمن هؤلاء الشباب مخرج عرض أبو كبسولة المخرج المبدع محمد مرسي.
سعدت بإجراء هذا الحوار معه ليتحدث عن "أبو كبسولة" وعن المسرح وعشقه الكبير له، وإليكم نص الحوار:
- كيف تم اختيارك لإخراج رواية أبو كبسولة؟
لقد عرض علىّ صديقى مصطفى أبو سريع النص، وهذا أول تعامل بيننا على المستوى الاحترافى ولكنه ليس أول تعاون على الإطلاق، فقد عملنا معًا فى عشرة عروض من قبل، وقد أعجبتنى الفكرة التى تدور حول الكبسولة التى يغنى ابتلاعها عن الأكل.
- ما رؤيتك التى قررت أن تقدم من خلالها العرض؟
كانت رؤيتى للعرض باعتبارى مخرجًا له أنه يجب أن يكون عرضًا جماهيريًا؛ لذا كان ينبغى أن يكون هناك تكثيف للدراما مع أكبر قدر من الكوميديا، كما أنه -وكما سترين فى العرض- لا يوجد فيه إسفاف أو خروج على النص لأنه ببساطة عرض للأسرة كلها.
- لقد تم مد العرض أسبوعين آخرين نظرًا لنجاحه الكبير ووضع لافتة كامل العدد، فماذا تنوون بعد ذلك؟
الحقيقة أنه بعد حضور وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم للعرض وإعجابها به، فقد تقرر أن يتم تصويره وهذا القرار أسعدنى كثيرًا ولكن قبل ذلك سيتم عرض الرواية بالقاهرة والمحافظات.
كما أشار إلى أن المسرح يستعيد مكانته بالفعل منذ عدة أعوام بسبب العروض القوية التي تُقدَّم، وقد شاهدنا لافتة كامل العدد كثيرًا في العديد من العروض المميزة.
- دورك وجهدك فى المسرح ملحوظ من خلال العديد من العروض التى قدمتها بالإسكندرية ومهرجان المسرح العربى بمركز الحرية للإبداع، كيف ترى مكانة المسرح الآن؟
أرى أن المسرح يتعافى والمشكلة أصبحت الآن فى السينما، فقد استلم جيلنا المسرح وهو مأزوم بالفعل وعملنا على إعادة الجمهور إليه وهو ما حدث بالفعل، ولذلك نرى أعمالا مسرحية ناجحة دون وجود نجوم بها.
كما أن افتتاح مسرح محمد عبد الوهاب سيسهم بالتأكيد في المزيد من دعم المسرح، على الرغم من أننى كنت أتمنى أن يتم افتتاحه أول الصيف خاصة أنه مسرح صيفى، لكنه سيكون له دور كبير وهذا لا شك فيه.
إلى هنا انتهى حوارى مع المبدع السكندرى أحد حاملى راية المسرح والمجاهدين من أجل عودة مكانته, لأنتقل إلى نجم العرض صاحب الطلة المحببة للجمهور وخفة الظل التى يكاد لا يختلف عليها اثنان، الذى لفت الانتباه فى العديد من الأدوار وربما أكثرها جماهيرية دور سكرينه وقصة حبه لنادية في أحداث مسلسل طاقة القدر، هو النجم الصاعد بقوة مصطفى أبو سريع، ليحكى عن عشقه للإسكندرية فهو من مواليد المدينة الساحلية الجميلة وتخرج فى كلية الآداب قسم المسرح من جامعتها، وبدأ بأدوار بسيطة على مسارحها.
أما عن اختياره للنص، فقال: إنه كان يبحث عن رواية قوية يجد فيها عمق ما كان يقدم من روايات قوية فى الماضى، لأن الكثير مما يعرض "عروض تيك أواى" على حد تعبيره، بينما يرى أنه كلما زاد عمق النص زادت الكوميديا فيه. مسترسلا: وحين قرأت رواية المؤلف محمد الصواف شعرت برغبة كبيرة في تقديمها لأنها استفزتنى بشدة، كان ذلك منذ سنة ثم عادت الفكرة تلح على ذهنى من جديد وعلى الرغم من ضيق الوقت، فإن مدير المسرح الفنان سامح بسيونى قد شجعنى على تقديم العرض، وهو مخرج قبل عمله الإدارى لذا فهو عاشق للمسرح وللنص الجيد.
وعلى الرغم من أن تقديم أعمال مسرحية في الإسكندرية بمثابة شهادة نجاح لأى عرض كما قال أساتذة المسرح الكبار، فلم يكن هذا التفكير هو ما يسيطر علىّ، بل كان الدافع الأساسى لدىّ هو تقديم عمل جماهيرى محترم يناسب كل أفراد الأسرة في الإسكندرية.
يعد "أبو كبسولة" التعاون الرابع لي مع البيت الفنى للمسرح، ولى ما يزيد عن 60 عرضًا مسرحيًا بين قصور الثقافة والأندية وغيرها من المسارح.
وفي ختام حوارى القصير والممتع معه قال:
"المسرح عمل جماعي ولا يوجد فى الحياة كومبارس وكل إنسان له قيمته وعمله ومكانته، والكل بيكمل بعضه، والبطل الوحيد هو العمل".
وتركته ليستعد للعرض، وأستعد أنا لحضوره.
يفتح الستار على استعراض راقص عن دكتور سلامة المخترع العبقرى الذى اخترع كبسولة سوف تقضى على الجوع، لترى ديكورًا مميزًا لمكتب السكرتيرة بعيادة الدكتور، وعلى الحائط صورة له وبجوارها صورة لأينشتاين، ولن تلقى صعوبة فى ملاحظة الرابط بين الصورتين وهو العبقرية، لكن صورة النجم أبو سريع (د.سلامة) وحدها كفيلة أن تضحكك حتى قبل ظهوره على المسرح.
يدخل النجم مصطفى أبو سريع وسط تصفيق حار من الجماهير، ومعه مجموعة من الصحفيين الذين يريدون أن يحصلوا منه على تصريحات صحفية، هذا المشهد وحده حالة من أعلى حالات الكوميديا.
لذلك لن تندهش حين تسمع ضحكات الأطفال تعلو لدرجة يبتسم لها نجم العرض.
تستمر هذه الحالة ممتزجة مع الرسائل العميقة التى يدسها الحوار حتى نهاية العرض الذى لا أريد أن أحرقه لمن ينتوون حضوره، لذلك سأكتفى بتسجيل بعض اللحظات والعبارات التى استوقفتنى، والتى استطاع النص من خلالها أن يحتفى ببعضهم ويواكب بعضًا مما يحدث فى ذكاء.
فكان الكابتن محمد صلاح حاضرًا فى العرض من خلال عبارة "كفاية حرب على الناجحين".
وكذلك النجم محمد عوض كان هو الآخر حاضرًا على الرغم من غيابه منذ سنوات من خلال حوار بين أبو سريع وعلاء عوض حين قال له مازحًا "مش عايز أضربك عشان أبوك".
ومن أطرف ما صدره لنا العمل من كوميديا ذلك الطفل الذى يطلب منه اختراع كبسولة للمنهج الدراسى! فيوضح له د.سلامة أن اختراعه لا يهدف إلى أن يصيب الإنسان بالكسل.
أما عن المشاهد والحوار الذى يتضح فيه عمق الرواية، فإنك ستلاحظ الوطنية داخل العرض من خلال عبارة (بحب بلدى وبشرب من ماية النيل) وهى عبارة مباشرة قد لا تناسب الكثير من الأطفال فضلا عن الكبار.
الرأسماليون: يعبر البطل عن كرهه لهم بعبارات "بيتوضوا بدمنا ويصلوا لإله المال، لا بيلحقوا يستمتعوا بالفلوس ولا بيسيبونا نعيش".
الاحترام بين البشر لازم رغم كل الاختلاف بلاش تصنيف..
القوة العربية مخيفة للغرب وهو دايمًا حريص على زرع الصراعات.
أما الفنان السكندرى القدير إسلام عبد الشفيع، فلن تستطيع سوى أن تصدقه في دور الخواجة شولح الذى حاول شراء الاختراع من د.سلامة بشكله وهيئته ولهجته ونظراته، أراها حالة من أجمل حالات التقمص.
وعن نجمى الكوميديا علاء زينهم وسيد عبد الفتاح فقد كانا كبيرين كل فى دوره كما اعتدناهما.
"أبو كبسولة" حلم مخترع شاب بالقضاء على الجوع وسط أطماع الرأسمالية، هو إنسان بسيط قرر أن يحلم لوطنه وللفقراء فواجه الكثير من التحديات، كل ذلك سينساب إلى عقلك وأنت تضحك من القلب .. فما أسرع أن تفهم وأنت تضحك.