القاهرة 12 يونيو 2018 الساعة 11:46 ص
كتب:أحمد مصطفى الغـر
لسنواتٍ مضت، ومع انطلاق صوت مدفع إفطار اليوم الأول من شهر رمضان، تبدأ الفضائيات العربية، والمصرية خصوصا، في قذف برامج المقالب الجديدة في وجه المشاهدين، حيث تتساقط على أسماعهم نكات سمجة وعبارات خادشة للحياء أحيانا، في إطار مقالب يقول صناعها عنها أنها "كوميدية"، قديما كنا نستمتع بحلقات تحتوي على مواقف بسيطة من برامج الكاميرا الخفية التي كان يقدمها الفنان "إبراهيم نصر"، حيث كانت تظهر ردات فعل الجمهور إزاء موقف ما، وسرعان ما يتم الكشف عن حقيقة الموقف قبل أن يحدث أي شكل من أشكال التمادي، لكن مع الوقت تطورت نسخ برامج الكاميرا الخفية وأصبحنا نرى برامج المقالب المستنسخة عن بعضها بعضاً. المشكلة ان بعض الدراسات أشارت إلى أن مثل هذه البرامج يمكن أن تصيب الضيف باضطراب نفسي شديد يتحول إلى رهاب أو فوبيا مدى الحياة، وذلك من الوسيلة المرعبة التي يتم استخدامها ضده في البرنامج أثناء المقلب، كما أنها قد تصيب الفرد على المدى القريب بارتفاع في ضغط الدم وزيادة ضربات القلب وزيادة معدل التنفس والانهيار العصبي.
تحولت المشاهدة إلى حالة من العبوس، فهم يمحون إرادياً روح الدعابة، ويغلبون السخرية السمجة على الكوميديا، فتلك البرامج تقوم على أفكار غريبة بعضها قائم على اختطاف شخصيات وترويعهم، في سيناريو يذكرنا بصنائع الجماعات الإرهابية، وهذه البرامج عادةً ما تنتهي بمشادات بالأيدي، والضرب والسب والكلام البذيء. والغريب أنه مع نشر تلك الحلقات على مواقع الإنترنت نجد أن أرقام المشاهدة تتعدى عشرات الآلاف وفي وقت قياسي. إذا كانت البرامج التي قدمها الفنان "رامز جلال" على مدار السنوات الماضية، أو حتى تلك التي قدمها الفنان "هاني رمزي" وغيرهما، كلها كانت عبارة عن برامج جذبت الجمهور وجعلته يتجمد أمام الشاشة منتظراً رؤية نجمه المفضل وهو يخاف ويصرخ من شدة
الخوف والرعب، لكن في الوقت نفسه فإن الكثير من الجمهور يعي حقيقة أن الأمر بكليته يستخف بعقلية المشاهد، ولدى الكثير منهم يقين بأن تلك المقالب مفبركة أو تمثيلية!، وهذا بالفعل ما أكدته قبل أيام قليلة المخرجة المصرية إيناس الدغيدي، والتي قالت إن ظهورها في برنامج الفنان رامز جلال (رامز تحت الأرض) في رمضان من العام الماضي 2017م، كان أمراً متفقاً عليه مسبقاً، وقالت إنها كانت على علم بكل تفاصيل المقلب، وكانت تختبر نفسها كممثلة فقط.
تراجع الكوميديا الرمضانية له ما يبرره، فبرامج المقالب ألان فقدت مصداقيتها لدى الجمهور وأصبح الأمر أقرب للتمثيل عكس الماضى، حينما كانت لها درجة من المصداقية، الغريب أن برامج المقالب في كل عام تكون مكررة وتحمل إهانات رهيبة لأصحابها وضيوفها, ولا أحد يعرف كيف يقبلون علي أنفسهم الظهور بهذا الشكل علي الشاشة؟, لكن هذه البرامج تجني كماً كبيراً من المشاهدات وأيضا معدلاً كبيراً من الإعلانات, وذلك رغم سطحيتها. وفي دراسة أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة بالتعاون مع منظمة اليونسكو، حول تأثير برامج المقالب على الأطفال والمراهقين، كانت النتائج صادمة، حيث أن مشاهدة الأطفال والمراهقين لبرامج المقالب التلفزيونية لفترات طويلة وغير محددة دون رقابة تؤدي إلى إفراز سلوكيات سلبية وعدوانية وأنانية، كذلك عدم التعاون مع الآخرين وعدم الإحساس بمشاعرهم، بل والسخرية منهم إلى جانب تقليد الأطفال الأعمى لمثل هذه البرامج، فالطفل لا يدرك نتيجة قيامه بمثل هذه الأفعال على زملائه وأصدقائه، فهذه البرامج قد تؤدي إلى حدوث تأثير سلبي على الطفل يكمن في العجز عن ضبط النفس، واللجوء إلى العنف بدل التفاوض والمشاورة، وكذلك عدم الشعور بالأمان، والشعور الدائم بالخوف والفزع والرعب.
تعتمد برامج المقالب بالأساس على الاستهزاء والسخرية، والتهكم على أداء المُمثلين والفنانين الذين يشكلون ضحايا المقلب، وفيها يرتفع منسوب القلق والغضب، مع صرخات الخوف والإثارة، برامج أشبه بأفلام رعب، غالباً ما تنتهي بصراخ وعويل ونحيب وليس بضحك، هنا نكتشف أنه من غير المعقول أن ننتظر كوميديا، فمع كون الضحك من السلع النادرة، كيف نتضحك على برامج مكررة ومعادة حد الملل؟!، وإذا كانت تلك المقالب حقيقية وليست مفبركة أو معدةً بشكل مسبق وبالإتفاق، فكيف نضحك على صرخات الخوف والفزع لضحايا تلك المقالب؟!، إن التسلية مطلوبة ولا اعتراض عليها، ولكن يجب أن تكون فى حدود المعقول وفي إطار أهداف مفيدة، أما الكوميديا التي بهذا الشكل فإنه يضر ولا ينفع.