القاهرة 24 ابريل 2018 الساعة 11:57 ص
د. رمضان سيف الدين
قلنا سابقا في أكثر من موضع أن الحول الثقافى من الأمراض الثقافية التى تصيب الساحة الثقافية وأن هذا الحول نقصد به فى غالب الأحوال رؤية الأشياء حسب انتماء الشخص، فإلى أي الفصائل تنتمى كي أركز على أخبارك أو أتابعها؟ وأنا لا أتابع إلا من انتمى إليهم , أو أولئك الذين ينتمون الى , كما أن الذين ينتمون الى فصيل غير فصيلي أو قطاع غير قطاعى , أو حزب غير حزبى . او ناحية غير ناحيتي أو توجه غير توجهي ، أو لون غير لونى , هم مستبعدون من قاموسي , أو من لغتي أو من تركيزي أو من اهتمامي , بل أن البعض يرفض القراءة عن فلان أو القراءة عن توجه بعينه لمجرد أنهم ينتمون الى قطاع من القطاعات الثقافية التى لا أميل اليها أو التي لا أهتم بها , بل يصل الأمر ألى حد الهجوم على القطاع المخالف غير المتفق مع أفكاري أو مع اهتماماتي , فالهجوم هنا مبنى على أساس من التوجه الشعوري العاطفى , غير مبنى على أساس من الإجراءات العلمية والبحثية الى موضع الأفكار فى موضعها الصحيح وتبنى توجهها على أسس علمية , وبهذه الطريقة أصبح الحول الثقافي حول شعورى لا منطق له يرتبط بكره وحب المعارضين والمخالفين المنتميين واللامنتمين.
لذلك أصبح الحب والكره أساسا من أسس البناء الثقافى وهو ما يطيح بالبناء من أقصاه الى أقصاه , فتتحول القواعد العلمية للحكم على الأشياء الى قواعد عاطفية مما يساهم فى هدم القواعد العلمية ويحولها الى قواعد مصالح استراتيجية , تتبع هذه القواعد أفراد قبل ان تتبع جهات وتتبع شبكات مصالح قبل ن تتبع جماعات عمل , وتتحول الأعمال المرجوة الى مصالح , هذه المصالح لا تصب فى القنوات الشرعية التى وضعت فى بطاقة الوصف إنما تصب فى مصلحة الكوادر العليا دون الأفكار الاستراتيجية , وفى مصلحة الشبكات دون مصلحة الجهات وفى مصلحة الأفراد دون مصلحة الجماهير , وأصبحت الهيئات سبوبة , والكتابة طرف , والأفكار حكرا على موظفين , والاَراء حكرا على القادة , وتبادل الرأى ليس من شأن المبدع وتتشكل حالة من حالات الاستبعاد الثقافي, لأنها لا تروق لكبير المصلحة أو كبير الهيئة أو كبير الشلة برغم أنها لم تخضع لا للبحث ولا للدراسة ولم يتم مناقشتها من قبل المتخصصين ولا المبدعين بل يتم نفى الفكرة من جذورها لأنها لا تضيف مصلحة الى أصحاب المصالح بل أنها تضيف الى الواقع زخما والى الأفكار ثراء , لكنها لن تضيف الى أصحاب المصالح مصلحة ولا بريق ولا دعاية ولا أعلام،
وإذا نظرنا إلى الواقع الثقافى نراه ينشطر إلى موظفين أصحاب مصالح , وأكاديميين أصحاب رأى وفكر واستراتيجية , وكلاهما ينتمى إلى الطبقة الوسطى التى تساهم فى سياقة المجتمع سوقا الى التنمية , فتخيل أن طبقة نصف ابناؤها مستبعد وهم النصف المثقف المفكر المنظر القادر على التحليل والتنظير وإبداء الرأى الصائب, هذا الانشطار يضر بالتنمية الثقافية وبالواقع الثقافى وبالحياة الثقافية ككل , وبدلا من أن يسود المفهوم الثقافى لدى الجماهير , تسود المصالح التى قد تنتهى بالرشوة اذا ما أردت انجاز ما أردت , فالانشطار توأم الاستبعاد , والمصلحة قرين الفساد وكلاهما ضار بالمثقفين والتنمية.