القاهرة 17 ابريل 2018 الساعة 11:14 ص
سُمَيَّةُ سُلَيْمَانُ
اِسْتَيْقَظْتُ فِي الصَّبَاحِ البَاكِرِ عَلَى صَوْتِ زقزفة العَصَافِيرُ وَبُزُوغُ الشَّمْسِ بِأَشِعَّةٍ ذَهَبِيَّةٍ عَلَى جُفُونِي. كَانَتْ الأَشْجَارُ العِمْلَاقَةَ المُورَقَةَ مِنْ حَوْلِيَّ فِي كُلِّ مَكَانٍ، فَرَاشَاتٌ مُلَوِّنَةُ تَقِفُ عُلًى صَدْرِيٌّ، اِعْتَقَدْتُ أَنَّي اُحْلُمْ! لَكِنْ رَائِحَةُ الزَّرْعِ وَأَوْرَاقُ الشَّجَرِ كَانَتْ تَمْلَأُ أَنْفِي وَالمَكَانُ، كَمَا أَنْ صَوْتُ الطُّيُورِ تَسَابُقٌ إِلَى أُذْنِي بِنَغَمَاتٍ عَذْبَةٍ، أَتَذَكَّرُ أَنَّي أَمْسِ وَقَبْلَ أَنْ أَنَامَ كَنِت أَتَصَفَّحُ صُوَرًا عَنْ الغَابَةِ السَّوْدَاءِ فِي مَدِينَةٍ فغايبرج الأَلْمَانِيَّةُ!، لَكِنْ كَيْفَ حَدَثَ ذَلِكَ؟!
أَحْسَسْتُ بِدَغْدَغَةٍ فِي قَدَمِيَّ، كَانَتْ الحَشَرَاتُ تَقِفُ عُلًى أَصَابِعِ قَدَمِي، قُمْتُ سَرِيعًا وَاقِفَةً، يَا لِجَمَالِ الطَّبِيعَةِ الفَاتِنُ، اللَّوْنُ الأَخْضَرُ يَتَدَاخَلُ مَعَ كُلِّ الأَلْوَانِ، وَرَائِحَةُ الزُّهُورِ وَالعُشْبُ تَفْتِكُ بِمَشَاعِرِي.. مُنْذُ بَدَأْتُ أَشْرَبُ هَذَا المَشْرُوبَ الأَخْضَرُ وَ أَنَا أَمَرُّ بِكُلِّ مَا هُوَ عَجِيبٌ!. اِنْحَنَيْتُ أُزِيلُ الحَشَرَاتِ العَالِقَةَ بِقَدْمِي، وَجَدْتُ جَسَدِي مُضِيئَا بِأَنْوَارِ الغَابَةِ وَأَلْوَانِهَا، كَمْ أَسْعَدَنِي هَذَا الإِحْسَاسُ الرَّائِعُ بِالتَّنَاغُمِ مَعَ الحَيَاةِ. لَا أَعْلَمُ أَيْنَ مَلَابِسِي؟ كُنْتُ أَرْتَدِي بَعْضَ المَلَابِسَ وَقْتَ النَّوْمِ، لَكِنَّ هَذَا رَائِعٌ، أَنَا الآنَ حُورِيَّةٌ مِنْ حُورِيَّاتِ الغَابَاتِ
اِقْتَرَبَ مِنِّي طَائِرٌ أَبْيَضُ ذُو جَنَاحَيْنِ كَبِيرَيْنِ، تَرَاجَعَتْ لِلوَرَاءِ، لَكِنَّ الطَّائِرُ اِقْتَرَبَ أَكْثَرَ وَهُوَ يَمْشِي عَلَيَّ أَرْضُ الغَابَةِ أَمَامَي، قَالَ: سَوْفَ نَنْعَمُ بِالحُبِّ سَوِيًّا فِي هَذِهِ الغَابَةِ، لَمْ أَكُنْ أَصْدَقَ أُذْنِيَّ، الطَّائِرُ يَتَكَلَّمُ إِلِّي!. كَانَ يَنْظُرُ فِي عُيُونِي المُخَدِّرَةُ بِخَدَرِ رَوَائِحِ الغَابَةِ وَأَنَا مَسْحُورَةٌ بِسِحْرِ جَمَالِ الحَقِيقَةِ، نَظْرَتُ إِلَيْهِ مَشْدُوهَةٌ وَقَلَتْ أُرِيدُ أَنْ أَرَى كُلَّ شَيْءٍ فِي الوُجُودِ، أُرِيدُ أَنْ أُدْخِلَ أَدْغَالَ آلِكُون.
تَجَمَّعَتْ الفَرَاشَاتُ المُلَوِّنَةُ وَوَقَفَتْ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ عَلَى صَدْرِي ثُمَّ أَخَذَتْ تَدُورُ حَوْلَي وَتُرْقِصُ عَلَيَّ أَنْغَامَ أَصْوَاتِ الطُّيُورِ، تَحَوَّلَ الطَّائِرُ إِلَى رَجُلٍ وَسِيمٌ ذِي لِحْيَةٍ شَقْرَاءَ وَعُيُونٍ مُلَوِّنَةٌ بَلُونِ السَّمَاءِ، كَانَ جَسَدُهُ أَخَّاذٌ، يَنْبِضُ بِالحَيَاةِ الحَقِيقِيَّةِ، مَدُّ يَدِهِ وَأَمْسِكَ يَدِي وَفِي لَحْظَةِ الذُّهُولِ، جَذَبَنِي إِلَى صَدَّرَهُ وَقَبْلِنِّي طَوِيلًا، قَالَ لِي هَذِهِ الغَابَةُ مَسْحُورَةٌ بِفِعْلِ عُيُونِي الزَّرْقَاءِ، لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا أَنْ تَسْتَسْلِمِي لِلجَمَالِ لِتَكَوُّنِ الغَابَةِ سَرِيرُكَ الدافيء، سَمِعْتُ نَفْسَ الأَصْوَاتِ الَّتِي كَانَتْ تطقطق فِي غُرْفَتِي دَوْمًا، أَنَّهُمْ هُمْ يُبَارِكُونَ اِنْتِقَالِيٌّ.