القاهرة 02 مارس 2018 الساعة 01:28 م
منى لملوم
لا تندهش حين تذهب إلى الولايات المتحدة فتجد هناك نصبًا تذكاريًا رائعًا علي الطراز الروماني لتوماس جيفرسون، أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، هذا الرجل النبيل الذي حارب من أجل الحريات، كان أول وزير خارجية لأمريكا، وثاني رئيس وزراء، وثالث رئيس لها.
يحبه الأمريكيون لأسباب كثيرة، أحدها أن الولايات المتحدة في عهده توسعت لتصبح ضعف مساحتها، بالإضافة إلى أنه من أشرف على شراء أراضي لويزيانا من فرنسا، وأرسل كذلك حملة لويس وكلارك لاكتشاف العالم الجديد، وصاغ أيضًا قانونًا يحظر جلب العبيد إلي الولايات المتحدة.
كان هذا الرجل متعدد الثقافات ويجيد التحدث بخمس لغات، وربما يظل أحد أهم إنجازاته إنشاء جامعة فرجينيا التي كانت تعتبر واحدة من أكبر مشاريع البناء في ذلك الوقت.
أما عن نصبه التذكاري، فتجده بجانب متنزه ناشونال مول، الذي بُني بمبادرة من الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت.
أُسِّس المبني علي الطراز الروماني نظرًا لإعجاب توماس جيفرسون الشديد به، والحقيقة أن واشنطن عندما تزورها، تجد فيها مزيجًا من كل الطرز الحضارية، وليس فقط الرومانية، فإن نصب واشنطن مثلًا الذي شُيِّد تخليدًا وتكريمًا لجورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، بُنِي على الطراز الفرعوني، وهو عبارة عن مسلة ضخمة تقع بالقرب من نهر بوتوماك، في منتصف الطريق بين مبنى الكونجرس ونصب لينكولن التذكاري.
وحين سألت كمصرية أرى طراز أجدادى الذي أفتخر به هنا، أجابتني أنه يرمز للقوة ولا يكون إلا للمحاربين الأبطال.
لفت انتباهي عند مشاهدة النصب أن له لونين، نصفه السفلي أفتح من العلوي، والسبب الذي عرفناه من المرشدة السياحية هو أن النصف الأول من المسلة بني قبل الحرب الأهلية الأمريكية، وبعد انتهائها استكملوا بناءه، إلا أنهم لم يجدوا نوع الحجر ذاته، فأكملوا بأقرب نوع للحجر الأصلي.
عندي حلم
نطق مارتن لوثر كينج بهذه العبارة الشهيرة في مكان مميز بالولاية، وهو أحد أهم النصب التذكارية الموجودة بالعاصمة الأمريكية: نصب لينكولن، الذي صمم علي الطراز الإغريقي. يحيط بالبناء 36 عامودًا، ويرمز كل منها إلى ولاية من الولايات المتحدة في عهده. كُتب اسم الولاية أعلي العامود، أما بقية الولايات التي انضمت للولايات المتحدة في ما بعد عهده، فكتب اسمها علي الجدران الداخلية للنصب التذكاري.
وخلف التمثال الرائع له داخل النصب تجد عبارةً تقول: «في هذا المعبد. كما في قلوب الشعب. لذلك الذي أنقذ الاتحاد. ذكرى أبراهام لينكولن. تكرس إلى الأبد».
أما التمثال نفسه فهو للينكولن جالسًا قابضًا إحدى يديه وباسطًا الأخرى، ويرمز ذلك إلي القوة والدبلوماسية.
لا يمكن أن تزور واشنطن دون زيارة الكونجرس الأمريكي، ولا أقصد بهذا دخوله بالطبع فلهذا الأمر إجراءات كثيرة وصعبة، لكن بإمكانك التجول خارجه والتقاط الصور كما فعلنا نحن. هذا المبني العظيم وقبته الشاهقة التي يبلغ ارتفاعها 87 مترًا، التي تعد شديدة الضخامة لدرجة أن المبنى أعيد توسيعه بعد اكتمال بنائها ليتناسب مع ارتفاعها.
بُني الكونجرس فوق تلة تسمي (كابيتول هيل)، ويقع في الجهة الشرقية من حديقة ناشيونال مول الوطنية.
بين التراث والفن
وكما تعرفت علي الشق الأول؛ وهو التراث، كان يجب أن أتعرف علي الشق الثاني؛ وهو الفن.
حين أتى المساء، كان موعدي مع الفن قد حان أيضًا. يُعد مركز كينيدي للثقافة والفنون من أهم مراكز الفنون بواشنطن، سيستقبلك هناك حارسان لطيفان يحملان الشيكولاتة الداكنة المحببة، وتعلو وجههما ابتسامة صافية بينما يفتحان لك الباب، لتدخل إلي المركز ولسان حالك يقول هل يمكن أن تتركوني هنا يومين كاملين؟ فأنا بمجرد أن وضعت قدمي هناك، كنت أرغب في البقاء مكاني أطول فترةٍ ممكنة.
يقدم المركز عروضًا متنوعة مجانية فيما يقدم عروضًا أخرى دفوعة، وتعد العروض المجانية بالتأكيد فرصة لكل مسافر يتمنى الاستمتاع بأكبر قدر من المتعة مع توفير ما يمكن توفيره لأشياء أخرى في الرحلة. حضرت هناك عرضًا للفلوت، وللأسف نظرًا لضيق وقت الإقامة بواشنطن، ولأن كان لا يزال هناك الكثير لأفعله داخل وخارج برنامج الزيارة، أمسكت قلبي وقلت له: ألم تسعد حتى الآن؟ ذكرته بخوفه في بداية الرحلة وكيف كان قراري بالسفر هو القرار الصحيح، وطلبت منه أن يثق بي مجددًا. أنا لا أريد حرمانه من الفن الذي يعشقه، لكنني أريد له أن يسعد من مختلف الأشياء. أطاعني هذه المرة أيضًا، وربما كان أسرع من المرة الأولى، ولعله بذلك يستمع بثقة دائمة لي ولقراراتي.