القاهرة 27 فبراير 2018 الساعة 10:30 ص
د. منى الشامي
ـ الذكاء الاصطناعي خطر يهدد حياة البشر.
ـ الذكاء الاصطناعي سيقود الكوكب في المستقبل نيابة عن البشر.
بدأت إرهاصات الذكاء الاصطناعي مع آلة «تورنغ» (Turing machine) التي صممها عالم الرياضيات ومؤسس علم الحاسوب آلان تورنغ Alan Turing في عام 1936، حيث تألف النموذج الأساس من شريط ورقي مقسم إلى خلايا عدة، كل منها يحمل رمزاً واحداً من مجموعة تسمى «رموزالشريط» ورأس يسمى «رأس القراءة والكتابة» الذي يمر في كل مرة على خلية واحدة من الشريط ليقرأها أو يكتب عليها. وعلى رغم بساطة هذا النموذج، لكن يمكن استخدامه لمحاكاة منطق أي خوارزمية حاسوبية. وما زال علماء الحاسوب يستخدمونها حتى الآن لفحص صلاحية «الخوارزميات».
وكانت هذه الآلة هي الفكرة الأساسية التي اعتمدت عليها آلة فك التشفير البريطانية «بومب» في الحرب العالمية الثانية، والتي بنيت في الأصل لحل شيفرة «إنيغما» الألمانية، وعمد تورنغ الى تطويرها باستمرار لتلحق بالتعديل الألماني المستمر للشيفرة الصعبة.
وتطور الأمر على يد الباحثين وارن ماكالوكWarre Mccalloch وWalter pitts، عندما أطلقا فكرة «الأعصاب الاصطناعية» في العام 1943 المنبثقة من نظرية تورينغ في الحسابات، إضافة إلى المبادئ الفلسفية في التفكير ووظيفة الاعصاب في الدماغ.
وظلت فكرة اختراع روبوت يفكر، ويتخذ قرارات بعيد المنال، حتى جاء جورج ماكارثي، عندما حدد معالم لغة «ليسب» (LISP) في العام 1958 التى أصبحت لغة البرمجة الرئيسة في هذا المجال. ونشر ماكارثي ورقة علمية بعنوان «Programs With Common Sense» وصف فيها برنامجه «Advica Taker»، بـ «أول نظام ذكاء اصطناعي قابل للتعلم»، وبالتالي لا يحتاج إلى إعادة برمجة أو إدخال معلومات جديدة له.
وتوجهت الأنظار نحو ماكارثي بعدما استضاف أربع مباريات شطرنج على الحاسوب ضد منافسين في روسيا من طريق التلغراف في العام 1966 استمرت أشهراً عدة، خسر فيها مباراتين وتعادل في اثنتين، ليدشن بذلك مرحلة جديدة من التطور.
وفي العام 1977 استطاع برنامج «Marvel» إدارة رحلة المركبة «Voyager» إلى كوكب نبتون، وتحذير طاقمها من الأخطاء التقنية، ثم جاء الحاسوب «Hitech» ليصبح أول حاسب آلي يفوز على بشري في لعبة الشطرنج، بعدما انتصر على بطل العالم Arnold Denker في العام 1988، ليفتح المجال أمام «الذكاء الاصطناعي» للسيطرة على مجالات عدة، خصوصاً مع نهايات القرن الماضي والألفية الجديدة التي شهدت طفرة في المعالجات والحواسيب.
وهناك توجهان في مجال «الذكاء الاصطناعي»، أحدهما يدرس طبيعة السلوك البشري ويحاول ابتكار أنظمة شبيهة، والثاني يطور أنظمة ذكية بغض النظر عن تشابهها مع السلوك والذكاء البشريين، والذي استطاع ابتكار أنظمة ذكية تستخدم في مجالات عدة مثل الطب والتحليل الكيماوي والتنقيب عن النفط وتشخيص أعطال الآلات، ويستطيع أي زائر لمصنع سيارات رؤية «الروبوت» يعمل تحت إمرتها.
وفي عصرنا الحاضر، حيث سيطرت التكنولوجيا على كل تفاصيل حياتنا اليومية، كشفت اليابان عن خطة لإطلاق 100 «روبوت» ذكي في حلول العام 2020، لمرافقة الأشخاص الذين يحتاجون إلى المساعدة مثل المعوقين والمسنين.
ووقعت أيضاً شركة «آي روبوت» الأميركية اتفاقاً مع الحكومة البرازيلية لإمدادها بـ 30 روبوتاً دفاعياً بقيمة 7.2 مليون دولار وزعت على المدن التي استضافت كأس العالم، لتتولى مهمات تشكل خطورة على حياة الإنسان مثل تفكيك القنابل.
وفي العام نفسه طورت شركة «هوندا» اليابانية «روبوتاً» يحاكي تصرفات الإنسان يدعى «آسيمو»، وهو الأخير في سلسة من الآليين تحمل الاسم نفسه.
وفي عام 2015 طور مهندسون من معهد «ماساتشوستس للتكنولوجيا» الأميركي منظومة الذكاء الاصطناعي «Data Science Machine» التي تجاوزت امكاناتها العقل البشري، من خلال قدرتها على معالجة وتحليل قدر فائق من المعلومات والمعطيات العلمية، جعلتها قادرة على التوقع والتخطيط واتخاذ القرار المناسب.
وفي العام الحالي، قال مؤسس «فايسبوك» ورئيسها مارك زوكربيرغ إنه ينوي التحكم في كل شيء من المنزل إلى العمل من خلال الذكاء الاصطناعي، وهو ما يعد امتداداً لتطبيق «إنترنت الأشياء»، أحد تطبيقات «الذكاء الاصطناعي».
و«إنترنت الأشياء» هي الثورة التكنولوجية الجديدة التي يتوقع البعض أن تؤثر في شكل كبير في الاقتصاد، من خلال زيادة الإنتاجية وتقليص الكلفة واستهلاك الطاقة.
واختبرت «الخطوط الجوية البريطانية» بطانيات منسوجة من ألياف بصرية، تحتوي على أجهزة استشعار يتغيّر لونها إلى الأحمر عندما يشعر المسافرون بالقلق، وإلى الأزرق حين يشعرون بالراحة، أو تشمل أجهزة استشعار تنقل معدّل ضغط الدم ومستويات السكّر لدى المرضى إلى حاسوب الطبيب مباشرة.
وظهر جيل جديد من الروبوتات المزودة أنظمة ذكاء اصطناعي، تجعلها قادرة على المشي والركض فوق كل أنواع الطرق، بل والتعرف على العوائق واجتيازها بالقفز أو المناورة.
وصممت اليابان فنادق تدار كاملة من طريق الروبوتات، إضافة إلى أنها تعتزم إطلاق مزرعة كاملة تُدار بالروبوتات العام المقبل. وكشفت شركة «ياماها» في معرض طوكيو للسيارات العام الماضي عن روبوت يقود دراجة نارية اسمه «موتوبوت فير1»، بتحكم كامل، من زيادة سرعة الدراجة وصولاً إلى التحكم في المكابح بدقة، والتنقل الصحيح بين السرعات، إضافة إلى تحليل موقعه ومساره من طريق نظام تحديد المواقع العالمي GPS من دون أي تدخل بشري، في مشهد يحاكي سلسلة أفلام الخيال العلمي الشهيرة «تيرمينيتور».
اختلاف الآراء حول مستقبل الذكاء الاصطناعي
لكن هناك من يرى أن هذا التطور قد يشكل خطراً على الإنسان، بعدما بات واضحاً أن عالمنا مقبل على «ثورة روبوتات وذكاء اصطناعي»، إذ أصبحت الأجهزة الآلية منتشرة في شتى القطاعات الصناعية والخدمية والإدارية بل وتفوقت على البشر، حتى أن بعض الاحصاءات أظهرت أن الروبوتات في سيارات «غوغل» ذاتية القيادة أفضل من السائقين البشر، بينما اصبحت المنازل الذكية واقعاً
واليوم ينجز الإنسان الآلي مهمات معقدة بكفاءة عالية كانت حكراً على البشر في الماضي القريب، من مجالسة الأطفال إلى قيادة سفن الفضاء، لتصبح تطبيقات «الذكاء الاصطناعي» متحكمة في غالبية جوانب الحياة.
ودفعت سيطرة الذكاء الاصطناعي على هذه الأمور بعض العلماء إلى إعلان قلقهم، مثل عالم الفيزياء ستيفن هوكينغ ومؤسس شركة «تيسلا» إيلون ماسك الذي خصص بليون دولار لتمويل مركز «OpenAl» العام 2014 بالتعاون مع هوكينغ، لتطوير معايير السلامة في قطاع الذكاء الاصطناعي لتصب الفائدة في مصلحة البشرية. وحذّر ماسك وقتها من احتمال تولي الأجهزة المتطورة بذكائها السيطرة على البشر. ووصف في مقابلة سابقة مع شبكة «سيان ان» الذكاء الاصطناعي بأنه «أكبر تهديد قائم لنا».
وجاء في الرسالة الافتتاحية على الموقع الإلكتروني للمركز أنه «من الصعب تخيّل إلى أي مدى يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفيد المجتمع، لكن من الصعب أيضاً تخيّل مدى ضرره للمجتمع إذا كانت طريقة التطوير أو الاستخدام خاطئة».
ويبقى مستقبل «الذكاء الاصطناعي» و «الروبوت» غير واضح، فالبعض متفائل جداً، والبعض الآخر يراه قاتلاً إذا خرج عن سيطرة البشر، فهل نستقيظ يوما لنجد جيراننا «آليين»؟