القاهرة 19 فبراير 2018 الساعة 01:43 ص
د. هويدا صالح
على هامش اللغط الذي أثاره قرار سفر مقتنيات "الفرعون الصغير" توت عنخ آمون إلى معارض خاصة في الخارج ولمدة سبع سنوات، ما بين مؤيد ومدافع عن هذا القرار ويرى أنه يدخل لمصر 50 مليون دولار طوال السنوات السبع التي ستعرض فيها هذه القطع بالخارج، مثل وزارة الآثار صاحبة القرار، ووزير الآثار الأسبق زاهي حواس، وبين معارض لهذا القرار ويرى أنه مهين لآثارنا ومضيع لها، فبحساب هذه الملايين التي تتحدث عنها الوزارة وعدد السنوات والشهور والأيام يتضح أننا نؤجر 166 قطعة من مقتنيات توت عنخ آمون ولمدة سبع سنوات، بما يعني أن القطعة الواحدة يتم إيجارها بـ 117 دولار في اليوم، وهو ما يقل كثيرا جدا عن إيجار القطع الأثرية التي قام بتأجيرها متحف اللوفر في باريس إلى متحف اللوفر في أبي ظبي.
ترى وزارة الآثار صاحبة القرار وبحسب البيان الذي أعلنته على الإعلام أن في مقتنيات توت عنخ آمون، ستجوب 7 دول أجنبية، بدءا من مدينة لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأمريكية، في 23 مارس المقبل، ولمدة 7 سنوات، من ضمنها القطع الأساسية لتوت عنخ آمون، وأن ذلك يعد دعاية جيدة.. تتحفظ الحملة على بعض الأمور الخاصة بالعرض، منها أن مدته قرابة خمس سنوات، قابلة للزيادة، تنتهي عام 2024، وحصيلة دخل المعرض تقترب من 50 مليون دولار، إضافة إلى أن القيمة التأمينية لهذه المعروضات تقترب من الـ600 مليون دولار.
كما يدافع الأثري العالمي زاهي حواس عن قرار الوزارة ويرى أن سفر 166 قطعة أثرية لتوت عنخ آمون للخارج، لتمثيل مصر في معرض لوس أنجلوس، دعاية إعلامية غير عادية للسياحة المصرية، وتُحقق دخلا من 10 لـ12 مليون دولار.
في حين أن لجنة الدفاع عن الآثار أو الحملة المصرية المجتمعية للرقابة على التراث والآثار بيانًا طالبت خلاله بـ"التحقيق في أمر معرض الآثار المزمع عرضه في الخارج تحت مسمى كنوز الفرعون الصغير، والذي بمقتضاه سوف يتم سفر 166 قطعة أثرية فريدة ترجع إلى الحقبة التاريخية للملك توت عنخ آمون. وأن هذا العرض مجحف للطرف المصري تماما، ولا يرقى إلى قيمة هذه الآثار مقارنة بآثار البلدان الأخرى. وأن هذه القطع فريدة ولا بديل لها مما يعرضها للمخاطر.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تخرج آثارنا للعالم، فالمتاحف الكبرى في العالم مثل: اللوفر في باريس ومتحف برلين ومتاحف بأمريكا وبريطانيا وإيطاليا وغيرها من دول العالم بها أعداد كبيرة من آثارنا التي خرجت إليها بطرق مشروعة وغير مشروعة، ولا نستطيع استرادادها الآن، لأن هذا أمر واقع فرض نفسه على مصر. ورغم أن مصر فرضت أول قانون لحماية الآثار في العالم عام 1835 إلا أنه لم يكن حاميا لآثارنا في الحقيقة، بل أعطى الأثريين والباحثين عن الآثار الذين تدفقوا على مصر من شتى بقاع العالم بعد رحيل الحملة الفرنسية وفك لغة حجر رشيد واكتشاف أسرار الحضارة المصرية القديمة، هذا القانون أعطى هؤلاء الباحثين عن الآثار حقوق المناصفة في كل ما يكتشفونه من كنوز، وزاد الأمر تعقيدا بعد هذا التاريخ بما يزيد عن قرن من الزمان، وتحديدا عام 1951، صدر قانون جديد يقنن سرقة الآثار المصرية والخروج بها في وضح النهار، حيث أصدرت مصر قانونا في عام 1951 بهدف القضاء على تجارة الآثار ولكنه "كان أكثرها تشجيعا على التهريب والسرقة والإتجار" بسبب إرسائه مبدأ التقاسم مع البعثات الأجنبية. ??????وترك هذا القانون "ثغرة تسمح بمرور متحف كامل للخروج القانوني من مصر" إذ تنص إحدى مواده على السماح بتبادل الآثار المكررة مع المتاحف والأشخاص وبيعها وحتى التنازل عنها للهيئات والأفراد المصرح لهم بالتنقيب.??? إن البعثات الأجنبية اقتسمت مجموعات أثرية مصرية نادرة بسبب ضخامة النسبة التي كانت تتجاوز النصف أحيانا ويضاف إلى ذلك ضعف الرقابة على أعمال تلك البعثات وعدم وجود ضوابط صارمة لأعمال التنقيب. ويرى أن القانون الصادر عام 1983 نقطة فاصلة في تاريخ نظام قسمة الآثار إذ جعلها 10% فقط وأن تكون هذه النسبة من القطع المكررة وأن تكون لأغراض البحث العلمي والعرض المتحفي ولا يجوز للبعثات الأجنبية الاتجار فيها. وظل هذا القانون ساريا حتى صدور تعديل لقانون الآثار في فبراير 2010 يقضي "بأن جميع الآثار المكتشفة من البعثات الأجنبية أو المصرية تصبح ملكا لمصر.
والسؤال أما يكفينا إهدار لهذه الكنوز التي ليست ملكا لنا وحدنا، بل هي ملك للأجيال القادمة؟ إذا كنا لا نستطيع أن نسترجع ما لدى متاحف العالم، هذا بخلاف القطعة التي يمتلكها أفراد، فهل نزيد المأساة بأن نؤجر القطع الأثرية المكتشفة حديثا لتوت عنخ آمون للخارج؟ ماذا لو أن هذه القطع قد تلفت بشكل أو بآخر هل تكفي الـ 600 مليون دولار تعويضا عنها؟
من الذي يحاسب وزارة الآثار على هذا التهاون الجسيم؟ وهل يفلح مجلس الشعب في منع هذه الكارثة؟
وهل تفلح جمعية أهلية مثل جمعية حماية الآثار على منع هذا الأمر الخطير?
؟!